جبهة الجنوب (١)… تزايد إحتمالات الحرب الشاملة

زياد سامي عيتاني

قفز التصعيد العسكري على الحدود بين لبنان والعدو الاسرائيلي (الذي ما زال منضبطاً) إلى مرحلة ساخنة، مع إعتماد الجيش الاسرائيلي تدمير أحياء باكملها جنوب لبنان، في عمليات تعتبر الأعنف منذ حرب تموز 2006. ولعل من أهم مؤشرات التصعيد أيضاً، استهداف إسرائيل عدة مرات مراكز الجيش اللبناني ما أدى إلى استشهاد عريف وجرح نحو 4 عسكريين، وسقوط قذائف قرب مراكز قوات “اليونيفيل” جنوب الليطاني الخاضع للقرار 1701.

الواضح أن رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو إتخذ قراره بالهروب من نتائج الحرب الكارثية، عن طريق الهجوم والاندفاع نحو الأمام. والأكيد أن فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها المعلنة، وعدم تمكن نتنياهو من توظيف أي إنتصار عسكري داخل قطاع غزة، للتخفيف من حدة النقمة عليه، جعله يائساً ومستعداً للذهاب إلى النهاية في مغامراته العسكرية غير المحسوبة، لاستدراج التدخل المباشر لحاملات الطائرات والأساطيل العسكرية الغربية المحتشدة في البحر المتوسط. وعليه، رسمت الحكومة الاسرائيلية ثلاثة أهداف لها لجولتها الجديدة، أهمها: تحقيق المنطقة العازلة في غزة، وإبعاد “حزب الله” عن الحدود باتجاه الليطاني، وتنفيذ إغتيالات تعطي صدى في الداخل الاسرائيلي، وتعيد له بعض الثقة بقيادته.

بالنسبة الى الجبهة اللبنانية – الاسرائيلية، كشفت صحيفة “تايمز” البريطانية أن الجيش الاسرائيلي وضع خططاً لغزو جنوب لبنان على الرغم من دعوات ضبط النفس من حلفائه الغربيين. ونقلت الصحيفة عن ضابط وصفته بالرفيع في الجيش الاسرائيلي قوله إن “ما حدث في الجنوب (غزة) لا يقارن بما يمكن أن يفعله حزب الله في الشمال”، مؤكداً أن العقيدة الاسرائيلية هي نقل الحرب إلى الجانب الآخر. وأضاف الضابط: “القرار بشأن ما إذا كان سيتم إطلاق قوة برية عبر الحدود يعود إلى رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته الحربية”. بدوره أكد وزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت لدى سؤاله عما إذا كانت بلاده تخطّط لعملية برية في الشمال، أن “الديبلوماسية هي السبيل المفضّل لكننا نهيّئ أنفسنا لأي وضعية”.

في موازاة ذلك، حذر الناطق باللغة الانكليزية باسم الجيش الاسرائيلي Jonathan Conricus من تزايد التصعيد الأمني على الحدود الشمالية، وقال: “نقترب أكثر وأكثر من حرب شاملة مع حزب الله، والتعليمات الموجهة إلى الجيش هي بالطبع زيادة الاستعداد للتجهّز والقدرة على حماية المدنيين الاسرائيليين”. في المقابل، أشارت صحيفة “معاريف” الاسرائيلية الى أن الهجوم الذي شنه “حزب الله” الاثنين الماضي على مقر ‏قيادة الفرقة 91 الاسرائيلية في ثكنة برانيت، ليس هجوماً عشوائياً، وإنما دليل واضح على مدى قرب المواجهة العسكرية المباشرة وعالية الحدة بين إسرائيل وهذا التنظيم. واتهمت الصحيفة الاسرائيلية “حزب الله” بتصعيد هجماته خلال اليومين الأخيرين، مؤكدة أن مقاتليه وسّعوا استخدام صواريخ “بركان” القادرة على حمل ما يصل إلى نصف طن من المتفجرات، وأرسلوا المزيد والمزيد من الطائرات من دون طيار المحملة بالمتفجرات نحو إسرائيل، كما أطلقوا عشرات الصواريخ وقذائف الهاون على البؤر الاستيطانية والمستوطنات على خط الحدود وفي الجليل الغربي.

وسط هذا التصعيد، يعتبر خبراء أن إسرائيل التي ما زالت عاجزة عن تحقيق انتصار عسكري في غزة، تسعى الى تكثيف عملياتها جنوب لبنان كماً ونوعاً لاستدراج “حزب الله” الى المبادرة بالحرب، بحثاً عن مخرج لها من غزة، خصوصاً مع تداول معطيات أن واشنطن منحتها مهلة لجولتها الأولى في الحرب حتى نهاية العام الحالي.

إذاً، رئيس الوزراء نتنياهو المتأزم في الداخل الاسرائيلي، وفي غزة، يسعى الى إبتزاز المجتمع الدولي واستغلال الدعم الأميركي بنقل المواجهة إلى الجبهة الشمالية مع “حزب الله”، التي ستؤدي الى فتح معركة مع إيران كمخرج له من مستنقع الحرب ضد “حماس”. لذلك، من المتوقع أن تمضي إسرائيل في استفزازاتها، لجر “حزب الله” الى مواجهة مفتوحة وفق التوقيت الاسرائيلي. غير أن الحزب لا يزال يتصرف حتى الساعة بمنطق قوة الحكمة لجهة عدم الانجرار الى ما تريده إسرائيل، لاقتناعه بأن من يبادر إلى الحرب سيكون هو المسؤول عن نتائجها.

إزاء ذلك، تسود خشية من الدفع الاسرائيلي المستمر والمتمادي نحو زيادة وتيرة التصعيد، لتوريط الأميركيين وجرّهم إلى أجندة تل أبيب، التي بات على رأس أولوياتها إبعاد “حزب الله” عن جنوب الليطاني أو الى مسافة كافية لدرء خطره عن مستوطنات الشمال وسكانها. يحصل كل ذلك، في ظل إستمرار رسائل التحذير الديبلوماسية للبنان من أن إستمرار المواجهات سيؤدي إلى تصعيد إسرائيلي في المرحلة المقبلة، لأن إسرائيل وحكومتها المتطرفة لن تكونا قادرتين على تحمل البقاء تحت ضربات “حزب الله” وقوته النارية. وهنا تنقسم الآراء، بين من يعتبر أن ما يجري سيكون هدفه تثبيت الوقائع من دون الدخول في حرب واسعة ومفتوحة، وأن الرسائل الدولية تندرج في إطار الضغط فقط، وبين من يرى أن التحذيرات الدولية الكثيفة مشابهة جداً لتحذيرات فرنسية عمل على توجيهها الرئيس فرنسوا ميتران إلى لبنان عشية الاجتياح الاسرائيلي لبيروت في العام 1982، وحينها لم يتعاطى اللبنانيون معها بجدية.

التقديرات الاسرائيلية تشير إلى أن العملية في غزة قد تستمر لعدة أشهر، وفي ظل التصعيد المتزايد من أسبوع الى آخر في الشمال، يبدو أن المواجهة المباشرة بين إسرائيل و”حزب الله” أمر لا مفر منه. فهل المشهد التصاعدي ينذر بتدحرج التطورات نحو حرب شاملة على الحدود الجنوبية مع العدو الصهيوني، إذا ما ضغط نتنياهو على “الزر الأحمر”؟

إقرا أيضاً:

  1. جبهة الجنوب (١)… تزايد إحتمالات الحرب الشاملة
  2. جبهة الجنوب (٢)… القرار 1701 بين تجنب الحرب وإندلاعها
  3. جبهة الجنوب (٣)… “الحزب” غير معني بالـ 1701 قبل إنقضاء حرب غزة
شارك المقال