جبهة الجنوب (٣)… “الحزب” غير معني بالـ 1701 قبل إنقضاء حرب غزة

زياد سامي عيتاني

كشف موقع “أكسيوس” الأميركي أن إسرائيل أبلغت إدارة الرئيس جو بايدن أنها تريد إبعاد مقاتلي “حزب الله” لنحو 6 أميال، أي حوالي 10 كيلومترات، عن الحدود، كجزء من اتفاق ديبلوماسي يهدف الى “إنهاء التوترات” مع لبنان. وأورد الموقع إن إدارة بايدن تتفهّم “المخاوف الاسرائيلية”، وستدفع باتجاه التوصل إلى “حل سلمي”، ولكنها طلبت من إسرائيل منح الوقت والمساحة الكافيين للديبلوماسية، وعدم اتخاذ أي خطوات تفاقم التوترات. وقد أكد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت أن إسرائيل مستعدة لمنح الفرصة للعمل الديبلوماسي، ولكنهما إشترطا رؤية تقدم في غضون الأسابيع القليلة المقبلة.

ويعتبر خبراء أن إسرائيل التي ما زالت عاجزة عن تحقيق إنتصار عسكري ضد حركة “حماس”، تسعى الى تكثيف عملياتها جنوب لبنان كماً ونوعاً، لاستدراج “حزب الله” الى المبادرة بالحرب، بحثاً عن مخرج لها من غزة، خصوصاً مع تداول معطيات أن واشنطن منحتها مهلة لجولتها الأولى في الحرب حتى نهاية العام الحالي. وعلى الرغم من ذلك، فإن تعامل “حزب الله” مع التصعيد الاسرائيلي، يعتمد على قوة الحكمة، لجهة عدم الانجرار الى ما تريده إسرائيل، “لأن من يبادر إلى الحرب سيكون هو المسؤول عن نتائجها”. ويتساءل الكثير عما إذا كانت العمليات العسكرية جنوب لبنان ستبقى بوتيرة تصاعدية مضبوطة أم ستجر “حزب الله” وإسرائيل نحو الحرب؟ تجزم مصادر مقربة من “حزب الله” بأنه لن ينجر الى فتح الجبهة الواسعة لأسباب داخلية وإقليمية، ولأن إيران لا مصلحة لها بالتورط في جبهة ستكون واشنطن طرفاً فاعلاً فيها، وأن الأخيرة لا مصلحة لها أيضاً بإشعال بؤرة جديدة على أبواب الانتخابات الأميركية.

وتؤكد المصادر أن على الرغم من اعلان الأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصر الله سابقاً معادلة “المدني مقابل مدني”، إلا أنه يتجنب ضرب المدنيين المستوطنين، ولم ينفذ المعاملة بالمثل، بحيث لم يستهدف المناطق المأهولة كما فعلت إسرائيل. لذلك، طالما أن “اللاعبين الكبيرين، (إيران وأميركا)، لا يريدان حرباً في لبنان، فهذا يجعل أي تصعيد إسرائيلي مرتجل محفوفاً بالمخاطر”. ويرجح أن ما يريده نتنياهو جائزة ترضية في غزة أو على حدوده الشمالية، مقابل تخفيف خطر الانزلاق إلى حرب في جبهة لبنان. من هنا ثمة مخاوف من أن نتنياهو إذا لم يحقق إنجازاً نوعياً في غزة، فهناك خشية حقيقية، من أن يغامر بإشعال جبهة لبنان لقلب الوقائع الاقليمية، لأنها ستؤدي إلى تطورات عسكرية كبرى، وإلى تفعيل الجبهة اليمنية، وإلى تحريك جبهة الجولان السوري الصامتة حتى الآن. وفي هذا الاطار، من الضروري إستعادة رسائل دولية وصلت إلى لبنان عبر حركة الموفدين الأميركيين والأوروبيين، وخصوصاً الفرنسيون، بحيث نقلوا جميعاً رغبة المجتمع الدولي في عدم توسع الحرب في لبنان.

إذاً، تتواصل مساع دولية تقودها واشنطن مدعومة بحراك فرنسي لافت لمنع تمدد الحرب من قطاع غزة نحو لبنان، عبر تطبيق القرار الدولي 1701، وذلك لمناقشة هذا الطرح، لاقامة منطقة عازلة خالية من السلاح بين الحدود وجنوب نهر الليطاني التي تنشط فيها راهناً فرقة “الرضوان” العسكرية لـ”حزب الله”، عبر تطبيق البند الثامن من هذا القرار الذي ينص على إخلاء كامل للمنطقة من الأسلحة والمسلحين باستثناء الجيش اللبناني وقوات “اليونيفيل”. تتزامن هذه الاتصالات مع تصاعد الدعوات الاسرائيلية الى تنفيذ هذا الطرح، وأبرزها، حين هدد وزير الدفاع يوآف غالانت بأنه إذا لم تنجح المساعي الديبلوماسية في إنجاز هذه الخطوة، فإن تل أبيب ستنفذها بالقوة. كما قال وزير الخارجية الاسرائيلي إيلي كوهين: “إن تنفيذ القرار 1701 بإبعاد مقاتلي حزب الله إلى شمال نهر الليطاني هو السبيل الوحيد لمنع نشوب حرب مع لبنان”. وأشار الى أن “باريس تلعب دوراً كبيراً في تجنّب الحرب مع لبنان”.

أوساط “حزب الله” تعتبر أنه غير معني بمناقشة هذه الطروح في مرحلة حرب قطاع غزة واشتعال الجبهة اللبنانية، وأنه لا يمكن بحثها قبل إنسحاب إسرائيل من المناطق اللبنانية التي تحتلها. كما ترى أن تطبيق القرار 1701 يبدأ بمعالجة قضايا جوهرية لانتهاكات إسرائيل التي تحتل أراضي لبنانية في تلال كفرشوبا وشمال قرية الغجر والماري ومزارع شبعا، إلى جانب إصرار لبنان على حل النزاع على النقاط الـ13 على طول “الخط الأزرق” البالغ نحو 120 كيلومتراً، والذي حددته الأمم المتحدة سنة 2000 لتأكيد انسحاب القوات الاسرائيلية، ويبدأ من النقطة B1 الواقعة في خليج الناقورة التي تربط بحر لبنان وبره مع فلسطين المحتلة. وتنقسم هذه المنطقة الحدودية إلى 3 قطاعات، شرقي وغربي وأوسط، ويُفترض أن تكون منزوعة السلاح وفق هذا القرار.

بناءً عليه، طالما يواصل “حزب الله” حرب الإسناد وإشغال إسرائيل بجبهتها الشمالية، فان مفاعيل الحراك الدولي لن تعدو عدم نشوب حرب شاملة، مع إستبعاد تهدئة الجبهة الجنوبية، على الرغم من وعود غربية بمنح الحزب الفرصة لدور أكبر في الدولة العميقة للبنان، إذا ما انسحب عسكرياً من الجنوب اللبناني. فهل تستخدم إسرائيل عدم إنسحاب “حزب الله” من جنوب الليطاني ذريعة لإشعال حرب واسعة ضد لبنان كمخرج لها من غزة؟ الطروح الفرنسية والأميركية تصب في إطار ابقاء الوضع تحت السيطرة، من دون الانزلاق الى حرب شاملة على الحدود اللبنانية – الاسرائيلية، بانتظار إنقضاء حرب غزة، التي ستؤدي حتماً إلى إخماد فتيل تفجير الجبهة الجنوبية.

إقرا أيضاً:

  1. جبهة الجنوب (١)… تزايد إحتمالات الحرب الشاملة
  2. جبهة الجنوب (٢)… القرار 1701 بين تجنب الحرب وإندلاعها
  3. جبهة الجنوب (٣)… “الحزب” غير معني بالـ 1701 قبل إنقضاء حرب غزة
شارك المقال