مصير مجهول لمهاجرين اختفوا بعد خروجهم من لبنان!

إسراء ديب
إسراء ديب

تعيش عائلات سورية ولبنانية “على أعصابها” بعد اختفاء مركب كان قد خرج بطريقة غير شرعية من لبنان إلى قبرص في 11 الجاري، وهو ما كشفته منظمة “ألارم فون” العالمية التي أكّدت أنّ المركب يحمل على متنه 85 شخصاً (بينهم 35 طفلاً) لم يُكشف مصيرهم، إذْ لم تتلقّ عائلاتهم أيّ خبر يُؤكّد وصولهم إلى قبرص أم لا، في وقتٍ لم تُقدّم فيه السلطات اللبنانية أو القبرصية أيّة معلومات تُفصح عن مصير المهاجرين الذين كان معظمهم من السوريين.

لا تُشبه هذه الرحلة “الغامضة” غيرها من الرحلات التي غادرت لبنان، فهي المرّة الأولى التي لا يُكشف فيها عن مصير المهاجرين من جهة، وهوية مهرّبهم وكيفية تهريبهم أساساً من جهة ثانية، إذْ لم ترد معطيات واضحة تتحدّث عن نقطة انطلاقهم، ومستجدّات رحلتهم إلى نقطة وصولهم، حتّى أنّ عائلاتهم وأقرباءهم لم يعرفوا أنّ المركب مفقود ومجهول المصير إلّا منذ أيّام قليلة، بحيث يعجز الكثير منهم عن التوصّل إلى أيّ معلومة تٌطمئنهم، وهم لا يعرفون أيضاً مع من عليهم التواصل للحصول على المعلومات أو الابلاغ.

أمّا “ألارم فون” فكانت قد أثارت هذه القضية (التي يُؤكّد متابعون أنّ السلطات القبرصية لم تكن ترغب في الكشف عن تفاصيلها، وهذا ما ذكره مقرّب من أحد المهاجرين في حديثه، لافتاً إلى أنّ هذه السلطات أكّدت أنّها لا تعلم عنهم شيئاً)، فشكّلت المنظمة عملية ضغط أوصلتها إلى معلومات أوليّة، تشير إلى أنّ “مجموعة من المهاجرين وصلت إلى قبرص، لكن تمّ تفريقها، مع العلم أنّ تقارير كانت أفادت بترحيل مجموعة واحدة إلى لبنان، أمّا المجموعة الثانية فهي موجودة في معسكر قريب من لارنكا”، وسط تخوّف شديد من احتمال ترحيل المجموعة الثانية أيضاً، ولكن بعد إصدار المنظمة الخبر الأوّل الذي كان دليلاً يُؤكّد وجود هذه الرحلة مع بقاء علامات الاستفهام حولها، عادت لتُؤكّد منذ ساعات أن “لا معلومات حتّى الآن عن المجموعة، وأنّ العائلات غير متأكّدة ممّا إذا كان بعضهم قد تمّ ترحيله أم لا. أين هم؟”.

يوضح مصدر لـ “لبنان الكبير” أنّ المركب انطلق من شمال لبنان، “لكن لا أحد يُدرك حقيقة الموضوع ودقة شائعات ثانية كانت قد أشارت إلى أنّ المركب الذي يُقال انّ على متنه ثلاثة لبنانيين منهم السائق كان قد انطلق من سوريا، لكن المعطيات تُؤكّد أنّه انطلق من لبنان تحديداً، ولا معلومات مؤكّدة حول مكان الانطلاقة محلّياً”.

أمّا عن الأموال التي دفعت لهذه الرحلة، فقد علم “لبنان الكبير” أنّ أحد الشبان استدان من قريبه ما يُقارب 3500 دولار خصّصها للسفر، في ظلّ معطيات تُؤكّد أنّ الأسعار كانت مختلفة بين شخصٍ وآخر.

ويعرب مدير “مركز سيدار للدراسات القانونيّة” المحامي محمّد صبلوح، عن قلقه من احتمال تعرّض المهاجرين لانتهاكات وضغوط تجعلهم عرضة للترحيل الذي لم يُحدّد حتّى اللحظة، لا سيما وأنّ الاعتقال (إنْ حدث) حصل من دون إعلام أو تصريح رسميّ. ويقول لـ “لبنان الكبير”: “كنّا قد بلغنا مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وكذلك منظمة الهجرة، لتُرسل المفوضية رسالة إلينا تبلغنا فيها أنّها على علم بهذه المشكلة وتعمل على مراقبة الوضع… ونأسف لأنّ كلّ هذه التخبّطات تحدث وسط تكتم قبرصيّ دفعني إلى نشر هذه القضية كيّ يتواصل معي الأهالي الذين فقدوا أحد أقربائهم أخيراً”.

الأهالي والمعلومات

لم يتوصّل مصطفى الذي يعيش في الجنوب، وهو شقيق المهاجر محمود محمّد قنطار (23 عاماً) إلى أيّ خبر عن شقيقه ابن ادلب السورية، والذي أدّى اختفاؤه إلى تدهور حال والدتهما الصحية ودخولها إلى المستشفى منذ ساعات بعد الأخبار المحبطة وجهلها مصير ابنها الذي يعيش في سوريا. ويؤكد أن “لا معلومات لديّ عن الرحلة التي لم يتحدّث محمود يوماً عنها، وكلّ ما سمعناه أنّهم محتجزون في قبرص، ولا أعرف ما إذا كان المركب قد خرج من لبنان أو سوريا إذْ لا يعترف المهرّبون بذلك، لكن يُقال انّهم خرجوا من لبنان، وأنا تسمّرت في مكاني لأستمع إلى الأخبار وأتواصل مع الأهالي، ولكن لو كان أخي وصل إلى قبرص لاتصل بنا، ونتمنّى أن نصل إليه”.

ويبحث (ض.ر) ابن السويداء السورية عن عمّه (و.ر) الذي فقد في الرحلة، وذلك من داخل قبرص التي يعيش فيها، موضحاً أنّه تعرّف على أكثر من 15 عائلة تبحث عن ذويها في هذه الرحلة. ويقول: “أعرف أنّ المركب خرج من لبنان، ولم يُخبرني عميّ بالرحلة وعلمت بها عن طريق أهلي، إذْ لم يُخبر أحداً بها إلّا بعد خروجه، وكان أرسل لي آخر تسجيل صوتيّ الساعة الثانية بعد منتصف الليل حينها كنت نائماً، وأخبرني أنّه سيأتي ليزورني في قبرص، لكن التسجيل لم يكن من رقمه بل من رقم أحد الشبان الذين لا أعرفهم، وعند استيقاظي أجبت على الرسالة لكنّها لم تصل”.

وبعد خمسة أيّام، يُؤكّد ض. أنّه تمّ التوصّل إلى صور ومقطع مصوّر للقارب، ما سمح للعشرات من العائلات بالتعرّف إلى ذويها، “لكنّني بحثت كثيراً بين الادارات ولم أحصل إلّا على الأسئلة فحسب من دون أجوبة شافية، فقيل انّهم محتجزون، فيما قال آخرون انّهم يحملون ممنوعات، وغيرها من الشائعات التي أوصلتنا إلى طريق مسدود، لكن نطمئن الى أنّه لو كانت وقعت حالات غرق، اعتداء أو موت لكنا أعلمنا بذلك، حتّى لو كان تسليمهم قد تمّ عبر القسم التركي، لكان صدر الخبر في الجريدة للتواصل مع السلطات، أو مع الأمم المتحدة والصليب الأحمر، وربما أيضاً عبر أخذهم الى مخيم اللجوء وغيرها من الطرق التي توضح مصيرهم”.

وفي اليوم نفسه، يشدّد ض. على أنّ ثلاث رحلات وصلت إلى “الكامب” من أصل أربعة أيّ دخل ما يُقارب الـ 170 شخصاً ما عدا القارب المفقود.

وانطلق اثنان من أبناء عمّ سليمان أبو كشتو وهما يحملان الاسم عينه، من لبنان إلى قبرص عبر القارب الذي انطلق يوم 12 الجاري وفق سليمان (ابن ريف حماة الشمالية – مدينة صوران ويعيش في ألمانيا)، الذي يؤكد أنّ آخر اتصال معهما كان الساعة السادسة مساءً، بحيث أرسل أحدهما رسالة الى زوجته يُؤكّد فيها أنّه أنهى إجراءات السفر من المياه اللبنانية وتجاوز المياه الاقليمية، قائلًا: “أربع ساعات وسنكون جميعنا في قبرص”.

وكان كلّ من سليمان الأوّل والثاني عملا في لبنان لأعوام، لكنّ ظروفهما كانت صعبة، لا سيما لدى أحدهما الذي طردته صاحبة العقار من منزلها لتزوّج ابنها فيه، وكان ينتقل من مكان إلى آخر ولم يجد منزلاً لعائلته منذ شهرين، فاتخذ القرار بالسفر، “لكن حاولنا التواصل مع أحد أصدقائنا في قبرص ليسأل عنهما، حتّى وصلنا عند القاعدة البريطانية والتركية ولم نجد مخرجاً لمشكلة كبيرة لا ندرك سببها، ولا نصدّق ما يُشاع عن عملية اختطاف ممكنة لأنّ الاختفاء القسري يمنع في أوروبا، لكن ما حدث مع الشبان كان مريباً للغاية”.

شارك المقال