مرفأ طرابلس يضع المدينة على “سكّة” الانماء بهدية “مباركة”

إسراء ديب
إسراء ديب

يُعدّ يوم 28 كانون الثاني 2021 تاريخاً مؤلماً في حياة الطرابلسيين الذين شهدوا على عملية احتراق مبنى بلديتهم التاريخي على أيدي عدد من المحتجين، الذين التقطتهم عدسات الكاميرا مباشرة عبر التلفاز ومواقع التواصل الاجتماعي وهم يلقون الحجارة وقنابل المولوتوف على المبنى، من دون محاسبة على جريمة حدثت منذ ثلاثة أعوام، كما من دون أيّ تحرّك رسميّ “فاعل” لترميم المبنى الذي يتجاوز عمره التسعين عاماً. من هنا، يُمكن التأكيد أنّ الاعلان الذي حمله وزير الأشغال العامّة والنقل علي حمية (خلال زيارته إلى طرابلس منذ أيّام، والذي يتضمّن تقديم هبة مالية من فائض أموال مرفأ المدينة عبر مجلس الوزراء، لاعادة ترميم مبنى البلدية)، كان خطوة إيجابية من القوى الرسمية باتجاه المدينة ومرافقها الاقتصادية والادارية.

المرفأ

للمرّة الأولى، يشعر الطرابلسيّون بأنّهم سيستفيدون بجدّية من أحد المرافق الاقتصادية والتنموية التي اتخذت من عاصمة الشمال مركزاً لها منذ أعوام طويلة، فلطالما كانوا يُعبّرون عن شعورهم بالغبن المعتاد نتيجة إهمال الدّولة لمؤسساتهم الادارية أو الاقتصادية العريقة والتي كانت قد تحوّلت من نعمة إلى نقمة نتيجة التمادي في عدم تطوير قواها والحدّ من تنميتها وترميمها، لكنّ الحديث عن مرفأ طرابلس دائماً ما كان مختلفاً، فعلى الرّغم من إدراكهم أنّ هذا المرفق لا يأتي إلّا بخير للمدينة ويُسجّل تطوّرات مستمرّة في عمله بجهود متواصلة محلّياً ودولياً، إلا أنّهم شعروا بالفخر بعد حديث الوزير عن المرفأ ودوره متضمناً القرار، إذْ كان حمية أشرف على وصول السفينة الصينية Hue zing long ودخول أكبر الرافعات الموجودة في المرافئ البحرية في العالم، إضافة إلى رافعتيْن الهدف منها توفير ثلث الوقت لتفريغ البواخر، “وهو ما يُسهم في تقديم خدمات مهمّة على صعيد المرفأ، تدفع مرفأ طرابلس إلى منافسة أهمّ المرافئ في العالم”.

إنّ مرفأ طرابلس الذي لعب دوراً مهماً في الاستثمارات وجذبها إلى المرفق الذي يُمكن أنْ تتكئ عليه المدينة خصوصاً في حال ثبوت جدّية الخطوة المستجدّة على الأصعدة كافّة، فاقت إيراداته الـ 500 بالمئة وفق حديث الوزير حمية الذي أبدى اهتمامه بتفاصيل هذه التطوّرات، وبالتالي إنّ إعلانه عن القرار الذي يقضي بترميم مبنى البلدية من فائض الايرادات المرفئية مع مشاريع تطويرية كتزفيت الطرق وغيرها، لم يأتِ إلّا عقب توصيات وتوجيهات “مباركة” من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي أجرى اتصالات عدّة وعمد في وقتٍ سابق إلى الاجتماع مع رئيس بلدية طرابلس أحمد قمر الدّين للتحدّث عن تفاصيل هذه العملية التي رحب بها المواطنون بصورة واضحة نظراً الى ارتباطهم ببلديتهم وما تحمله من إرث ثقافيّ مسّه الحريق الذي حدث “بفعل فاعل”، وهو ما تُؤكّده الفعاليات الطرابلسية.

وفق المعلومات، فإنّ فكرة أو مبادرة تخصيص أرباح المرفأ لمشاريع طرابلسيّة تنموية وتطويرية، تعود في الأصل الى مدير مرفأ طرابلس والمدير العام للنقل البري والبحري في وزارة الأشغال العامّة والنقل الدكتور أحمد تامر الذي كان طرح هذا الموضوع، رابطاً بين إنتاجية المرفأ من جهة، وحاجة المدينة من جهة ثانية، ليحصل على مباركة كلّ من ميقاتي وحمية.

الدراسة والترميم

عموماً، لم يتلّقف المسؤولون شمالاً عملية الترميم بجدّية طيلة الأعوام الثلاثة، وذلك على الرّغم من إبداء بعضهم رغبة في التدخل بهذا الشأن. من هنا، يقول عضو مجلس بلدية طرابلس ورئيس لجنة الآثار والتراث، البروفيسور خالد تدمري في حديث لـ “لبنان الكبير”: “بعد حصول الحريق مباشرة، كان السفير السابق لتركيا في لبنان هاكان تشاكل أوّل الزائرين صباحاً، حينها أعلن استعداد بلاده لترميم مبنى البلدية على عاتقها بالكامل لارتباط بلديتنا بعلاقات توأمة مع عدّة بلديات تركية أوّلاً، ونظراً الى مكانة طرابلس ضمن العلاقات اللبنانية – التركية ثانياً. وكان الرئيس السابق للبلدية رياض يمق شكر هذه المبادرة واستمهله نظراً الى طرح جهات سياسية عدّة نفسها ميدانياً للقيام بهذه الخطوة”.

وحسب المعطيات، فإنّ “الرئيس ميقاتي كان عرض ترميم المبنى حينها، كما أنّ الرئيس سعد الحريري عرض عبر تيّار المستقبل المبادرة عينها، وأُرسل حينها مهندسون للقيام بكشف ثمّ إجراء دراسة، لكن هذا ما لم يحدث لعوائق يُقال انّها مادّية، وفي تلك الفترة تحدّث البعض عن أنّ الرئيس الحريري كلّف هيئة الاغاثة متابعة الأمر الذي تُعرقله المقدّرات المالية المحدودة، في وقتٍ كان لا بدّ فيه من إجراء دراسة تبحث في التفاصيل، لكن حتّى بعد إجراء دراسة متكاملة، لم تتحرّك أيّ جهة سياسية تأثرت بالمتغيّرات المالية والسياسية”.

وعن الدراسة، يُؤكد تدمري أنّ البلدية كانت تمنّت على الجامعة اللبنانية إعداد دراسة متكاملة للافادة من تجديد المبنى التاريخي (وكانت تضمّنت مقترحاً بإضافة طابق للبلدية)، موضحاً أن “الدراسة أجريت في نصف عام من كلّية الفنون الجميلة والعمارة وأسهم فيها مهندسون من قسم العمارة ومن قسم التخطيط الداخلي في الديكور وكنت من ضمن الفريق، وعلى أساسها وضعت ميزانية للدراسة، أمّا مبادرة تركيا فمستمرّة على الرّغم من التدخل السياسي وأبدت جهوزيتها للمساعدة، لذلك تمنّينا أن تأخذ على عاتقها بعض المستلزمات بعد انتهاء الترميم، مثل تأمين الحواسيب، الطاولات، قاعة المجلس البلديّ من شاشات وغيرها من التقنيات، وأبدت استعدادها لذلك عبر هبة تُقدّم من الوكالة التركية للتعاون والتنسيق (تيكا)”.

وعن كيفية الافادة من الهبة وتنفيذ الخطوة رسمياً، يُشدّد تدمري على أهمّية الاسراع في إجراء المعاملات الرسمية، “بدءاً من توجيه البلدية كتاباً إلى وزارة الأشغال بطلب هذه الهبة، ثمّ ترفع الهبة إلى مجلس الوزراء الذي سيدرس الأمر رسمياً وبيروقراطياً، لكن بما أنّها تنتقل من وزارة إلى مبنى أو بلدية لا تتبع للوزارة، فإنّها تحتاج إلى قرار استثنائي من رئاسة مجلس الوزراء، ومن مجلس بلدية طرابلس يُؤخذ القرار بقبول الهبة، ليُطلق العنان فيما بعد لاستدراج العروض وإجراء المناقصة للتنفيذ الذي نتمنّى أنْ يكون سريعاً كيّ ينتهي قبل منتصف العام القادم، أيّ قبيل إطلاق فعاليات طرابلس عاصمة للثقافة العربية للعام 2024، أو قبيل احتمال حصول تمديد ثالث للمجالس البلدية”، شاكراً مدير المرفأ على إنجازاته وعمله، والوزير حمية “الذي أبدى محبة واندفاعاً لافتاً للمدينة”.

شارك المقال