العاروري… عماد مغنية “حماس” 

زياد سامي عيتاني

لماذا صالح العاروري؟ لطالما إتهمت التقارير الأمنية الاسرائيلية صالح العاروري بالوقوف خلف إعادة بناء بنية “حماس” التحتية في الضفة الغربية، وتوجيهه بتنفيذ عمليات ضد الاسرائيليين. وهذه التقارير تعتبر العاروري الشخصية الأكثر “كاريزما” في الحركة الفلسطينية، وراكم الاتصالات من طهران إلى بيروت والقدس وقطاع غزة، من أجل تحقيق هدفه الأعلى، وهو الهجوم على إسرائيل من كل الساحات. 

العاروري مولود في قرية عارورة قرب رام الله، وعاش في الضفة الغربية واعتُقل في السجون الاسرائيلية لأكثر من 18 سنة قبل ترحيله إلى سوريا في 2010، لمدة ثلاث سنوات، ومن ثم غادر إلى تركيا مع تفاقم الأزمة السورية ويعتقد أنه لعب دوراً محورياً في إتمام “صفقة شاليط”، التي أثارت آنذاك كثيراً من الجدل. تعتبره تل أبيب أحد أهم مؤسسي “كتائب عز الدين القسام” في الضفة الغربية، واتهمته بأنه يقف خلف عملية خطف المستوطنين الثلاثة في الخليل، وأعقبت الاتهام بهدم منزله.

التحق بجماعة “الإخوان المسلمين” وهو في سن مبكرة، وقاد عام 1985 “العمل الطلابي الاسلامي” في جامعة الخليل. وبعد تأسيس قادة الجماعة حركة “حماس” نهاية العام 1987 التحق العاروري بها. وبدأ بتأسيس جهاز عسكري للحركة في الضفة الغربية وتشكيله عامي 1991-1992، ما أسهم في الانطلاقة الفعلية لـ “كتائب القسام” في الضفة عام 1992. 

عند إنتخاب “حماس” العاروري، نائباً لرئيس المكتب السياسي للحركة عام 2017، أثار ذلك تساؤلات عديدة في إسرائيل، خصوصاً أنه من الشخصيات الفلسطينية التي تصنفها إسرائيل بأنها صقور متشددة في الحركة، فضلاً عن اتهامها له بالوقوف وراء عدد من حوادث اختطاف الاسرائيليين سواء في الضفة الغربية أو في العمق الاسرائيلي أيضاً. وحينها أوضحت صحيفة “يديعوت أحرونوت” أن العاروري كان من أكثر الشخصيات التي حصدت أصواتاً كبيرة في الانتخابات الأخيرة لحركة “حماس”، بحيث كان يعتبر منافساً مباشراً لكل من إسماعيل هنية وموسى أبو مرزوق، الأمر الذي شجع قيادات الحركة على انتخابه في هذا المنصب الآن. 

وأشارت الصحيفة إلى أن هذه الخطوة تمثل زاويتين ومحورين رئيسين، الأول وجود تغير يجري الآن في بنية حركة “حماس” الفلسطينية سياسياً، بحيث قادها في الماضي كل من خالد مشعل وموسى أبو مرزوق، وتولى الأول منصب رئيس المكتب السياسي للحركة، والثاني منصب نائب الرئيس، غير أن المشهد السياسي الحالي باتت تتصدره شخصيات جديدة، بداية من هنية ومعه العاروري، فضلاً عن يحيى السنوار القيادي البارز الذي يصنف إعلامياً بمصطلح رئيس حركة “حماس” في غزة. 

أما المحور الثاني، فإنه يشير إلى أن حركة “حماس” دخلت في مرحلة أو عهد “معلن” عن أسماء قياداتها، بحيث كانت تفضل في العهود الماضية عدم الكشف عن أسمائهم أو مناصبهم، خوفاً من إستهدافهم على يد الاحتلال الاسرائيلي. وفي 30 كانون الأول سنة 2018، أكد يوناتان جونين المسؤول عن الديبلوماسية الرقمية بالعربية في وزارة الخارجية الاسرائيلية أن “تواصل العاروري الأخير مع القيادات الايرانية أو مع قيادات حزب الله هو أمر مثير للقلق”. وقال جونين، عبر حسابه على موقع “تويتر”: “حركة حماس تتعطش للحرب، وهو ما يفسر تخوف عدد من القيادات العربية من تحركات العاروري الذي يتواصل مع إيران وحزب الله، لإشعال حرب في المنطقة”. 

اللافت أن هذا التوجه نفسه كان بدوره مصدراً وتوجهاً لما كتبه الاعلامي الاسرائيلي يوني بن مناحيم، الذي قال في تغريدة له إن الأنباء الواردة من الأراضي الفلسطينية، بحسب تعبيره، تشير إلى أن العاروري تقابل مع قائد “فيلق القدس” قاسم سليماني، وهو اللقاء الذي اتفقا فيه على تنسيق إيران ودعمها “حماس”، ما يثير تخوف تل أبيب وبقوة. 

تجدر الاشارة الى أن الولايات المتحدة أعلنت في العام 2018، على لسان وزير خارجيتها عن رصد مكافأة قدرها ٥ ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عن كل من العاروري، والقياديين في “حزب الله” خليل يوسف حرب وهيثم علي طبطبائي. وفي 27 آب من العام الماضي، هدد رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو باغتيال العاروري، الذي أشارت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الاسرائيلية حينها الى أنه “رأس الأفعى” الذي يسعى إلى قيادة الضفة الغربية إلى إنتفاضة جديدة. 

وأوضحت الصحيفة أن أحد كبار المسؤولين الذين قد يكونون الآن في مرمى إسرائيل هو العاروري، الذي يرأس أيضاً الذراع العسكرية، أي “كتائب عز الدين القسام” في الضفة الغربية، ويعتبر “أداة شد الخيوط” عندما يتعلق ذلك بنشاط “حماس” فيها، ويحرك كل شيء فيها من مقعده في بيروت. وأضافت: “ان إستقرار العاروري في بيروت لم يؤد إلا إلى تعزيز علاقته بإيران وحزب الله، وفي لبنان أنشأ قوة محلية لحماس، تتألف في معظمها من نشطاء مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، ومن مئات من المقاتلين المدربين ولديهم مخزون صاروخي وقدرة تشغيلية مثبتة”.

ينقل عن مسؤولي إستخبارات حاليين وسابقين في الولايات المتحدة وإسرائيل وكذلك وثائق حكومية وقضائية القول: “إن العاروري يعتبر حلقة وصل إستراتيجية بين ثلاث جهات، هي حماس وحزب الله وإيران”. ويعتبر أودي ليفي، الذي عمل لأكثر من 30 عاماً في المخابرات الاسرائيلية أن العاروري هو الرجل الايراني داخل “حماس”. وعلى الرغم من وضعه على قائمة العقوبات الأميركية المرتبطة بالارهاب ورصد مكافأة لمن يدلي بمعلومات تؤدي الى قتله أو اعتقاله، إلا أن العاروري ظل يتنقل في المنطقة، بما في ذلك داخل إيران وخارجها، وتعاون مع شخصيات بمن فيهم قاسم سليماني قبل مقتله بغارة جوية أميركية مطلع 2020.

كل من يعرف عن كثب العاروري إن على الصعيد الشخصي، أو على صعيد المهام والمسؤوليات الجسام التي يتولاها داخل حركة “حماس” تنظيمياً وعسكرياً وفي نسج العلاقات مع الحلفاء، يشبهونه بالشهيد عماد مغنية… والمفارقة أن كلا القياديين البارزين والاستثنائيين لقيا المصير نفسه!

شارك المقال