اسرائيل تتفوّق بالاغتيالات و”الحزب” يخسر بالنقاط!

جورج حايك
جورج حايك

يتوالى سقوط قيادات محور الممانعة والمسؤولين العسكريين الميدانيين في “حزب الله” بضربات نوعيّة لاسرائيل، من رضي موسوي، مروراً بصالح العاروري، وصولاً إلى وسام الطويل وعلي حسين والحبل على الجرار، فيما يرد “الحزب” بصواريخ تستهدف قواعد عسكرية، ومن الواضح أن لا توازن بين قوة الطرفين، وهناك تفوق اسرائيلي يُترجم كل يوم في الميدان الجنوبي، من هنا بات التساؤل منطقياً، أين قوة الردع؟ وكيف تحقق اسرائيل ضرباتها النوعية بهذه السهولة في لبنان؟

لا شك في أن قوة الردع التي يتباهى بها الأمين العام لـ”الحزب” حسن نصر الله ليست موجودة إلا في الشعارات، فالوقائع تؤكّد أن اسرائيل توجّه ضرباتها إلى العمق ولا ضوابط لديها، وهذا ما اعتادته تاريخياً إذ لا تلاحق أعداءها المنفّذين وحسب، بل تطارد المخططين أيضاً، وهذا ما فعلته عام 1972 عندما قامت “مجموعة أيلول الأسود” بإغتيال 11 رياضياً اسرائيلياً خلال الألعاب الأولمبية في ميونيخ، فأعطت رئيسة الحكومة غولدا مائير أوامرها آنذاك بضرب كل من ساهم في هذا الاعتداء ونفذه، وأطلقت على العملية عنوان “غضب الرب”، وتمكّنت الدولة العربية من قتل كل الذين تورطوا في الاعتداء على رياضييها. وهذا ليس كل شيء، إذ قامت المخابرات الاسرائيلية بعد فترة طويلة من الحرب العالمية الثانية باعتقال القائد الأعلى للوحدة الهجومية في الجيش الألماني النازي أدولف ايخمان في الأرجنتين بسبب تعذيبه اليهود في ألمانيا، وحاكمته في إسرائيل وتم إعدامه عام 1962. هكذا يفكّر العقل الاسرائيلي، فلا يُسامح أعداءه على الرغم من مرور الزمن.

وما تفعله اسرائيل اليوم في لبنان يبدو مشابهاً لكل ما فعلته في تاريخها العسكري، ويؤكّد الباحث في شؤون مكافحة الارهاب بيار جبور أن لدى اسرائيل بنك معلومات عن أعدائها في لبنان وخصوصاً “حزب الله”، وهي تستخدم المراقبة الشديدة والدقيقة لكل تحركات “الحزب” عبر المسيّرات، حتى أنها قادرة على رؤية أهدافها ولو من مسافات بعيدة، إضافة إلى مراقبة لصيقة من خلال جواسيس لها زرعتهم حول القيادات العسكرية الكبيرة للممانعة كما حصل مع العاروري في الضاحية الجنوبية وموسوي في دمشق. والجدير بالذكر أنها تنتظر أي خطأ تقع فيه الشخصية المستهدفة، علماً أن الحارس الشخصي أو المرافق لا يعرف تفاصيل تحركات العاروري أو موسوي مثلاً، إنما تستطلعها اسرائيل من خلال شخصيات على مستوى قيادي.

لكن عملية استهداف المسؤولين الميدانيين العسكريين لـ”الحزب” يومياً في الجنوب، تتميّز بآليات مختلفة، ويلفت جبور إلى أن اسرائيل أنشأت شبكة جوية ورصداً دقيقاً عبر مسيّراتها المزوّدة بتقنيات بصريّة في منتهى الدقة مرتبطة بالأقمار الاصطناعية، ومزوّدة بالأسلحة المناسبة والفتّاكة، وتتبع هذه المسيّرات مجموعات الحزب المؤلّفة من ثلاثة عناصر عادة تشمل أحياناً بعض القادة الميدانيين مثل وسام الطويل وحسين يزبك وعلي حسين، وتتركهم ينفّذون العمليات أو يشرفون عليها وعندما يكشفون أنفسهم، تلاحقهم وتحقق الاصابات على نحو مباشر.

بات مؤكداً أن لدى “الحزب” نقاط ضعف في هذه الحرب، ويعتبر جبور أنه ليس مؤهلاً ليحارب على جبهة كلاسيكيّة، وهو اعتاد حرب العصابات، لا التحرّك في أرض مكشوفة من دون غطاء جوي، لذلك من الطبيعي أن تطاله اسرائيل وسيسقط له المزيد من الضحايا، وقد تخطى عددهم الـ160 شاباً. وعلى الرغم من أن الحزب يملك بعض التجهيزات العسكرية الحديثة إلا أنه مكشوف ويُحارب بأسلوب قديم.

ويعترف جبور بأن بيئة “الحزب” مخترقة من اسرائيل، ويقول المثل “دود الخل منو وفيه”، وهذا ليس سراً إنما تكشفه التقارير الاعلامية من وقت إلى آخر، فيتم اعتقال مسؤولين في “الحزب” متعاملين مع اسرائيل مقابل مبالغ طائلة.

واللافت أن ردود “الحزب” على العمليات الاسرائيلية تبدو واهنة، ويصفها جبور بـ”الصبيانية”، كتوجيه رشقة صواريخ نحو شمال اسرائيل أو استخدام “الكورنيت”، فـ”الحزب” يزعم أنه يحقق اصابات ويُلحق خسائر بشرية، إلا أن اسرائيل لا تعترف بذلك، وبالتالي لا نعرف الحقيقة. ويرى جبور أن “الحزب” يعرف أن ردوده دون المستوى، وحتماً هو يُخطّط لما هو أبعد من ذلك، أي لعمليات في الخارج وليس على الحدود، بمعنى استهداف شخصيات اسرائيلية كبيرة في دول أخرى أو تفجير شركات اسرائيلية أو رجال أعمال.

واللافت أن نصر الله أعلن أن هذه الحرب لا يمكن كسبها إلا بالنقاط، ولا يبدو أن النقاط التي حققها حتى الآن كثيرة، بل ان اسرائيل، للأسف، جمعت نقاطاً أكثر، وخصوصاً على صعيد استهداف القيادات العسكرية، وهذا ما يُبرر عدم تجاوبها مع شروط “الحزب” السياسية والتفاوضية. ويوضح جبور أن نصر الله قدّم ملفاً تفاوضياً يقضي بإنسحاب “حزب الله” إلى ما وراء الليطاني، مشترطاً انسحاب اسرائيل من النقاط التي تخرق بها الخط الأزرق وهي 13 نقطة، بالاضافة إلى القسم الشمالي من بلدة الغجر ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا. لكن اسرائيل لم ترد عليه ولم تعره أي أهمية، ويبدو أن آخر همها عروض نصر الله، وهي تريد انسحاباً أحادي الجانب من “الحزب”، فيما تبقى على الحدود معتبرة أنها موجودة ضمن أراضيها لحمايتها.

ختاماً، يمر “الحزب” في وضع حرج، فهو ملزم بتطبيق القرار الايراني، وخصوصاً أن إيران لا تريد التضحية بـ”الحزب” الذي بنته وموّلته وسلّحته منذ منتصف الثمانينيات، علماً أنه يُدرك بأن ثمن أي حرب سيكون كبيراً عليه وعلى بيئته الحاضنة وعلى لبنان.

شارك المقال