100 يوم على حرب إبادتها… غزة عصية على الغزاة

زياد سامي عيتاني

دخلت حرب الابادة التدميرية المفتوحة التي تشنها قوات الاحتلال الاسرائيلي على قطاع غزة يومها الـ100، والتي انطلقت شرارتها عندما نفذت عملية “طوفان الأقصى” داخل ما يعرف بغلاف غزة. وعلى الرغم من الـ 100 يوم التي مرت على الحرب الدائرة بين إسرائيل وحركة “حماس” في غزة، بما في ذلك العملية البرية المتواصلة للجيش الاسرائيلي منذ أكثر من شهرين، فإن الاحتلال لم يحقق أياً من أهدافه التي أعلنها، وكذلك من دون أن يلوح في الأفق أي حسم عسكري. وهذا ما أكدته صحيفة “هآرتس” العبرية في إفتتاحيتها أمس الأحد: “مع مرور 100 يوم منذ الهجوم الذي شنته حركة حماس في 7 أكتوبر، لا يزال هناك 136 محتجزاً في القطاع”. وذكرت الصحيفة أن “100 يوم مرت منذ إعلان إسرائيل الحرب على حركة حماس ووضع الحكومة هدفين للحرب، وهما تدمير حركة حماس وإعادة المحتجزين، ولكنها بعد مرور 100 يوم ليست قريبة من تحقيق أيٍّ منهما”.

في غضون ذلك، يشير المزيد من المراقبين والمسؤولين الاسرائيليين السابقين إلى فشل الحكومة في تحقيق أهداف الحرب وإلى ضبابية الصورة، من بينهم رئيس هيئة أركان جيش الاحتلال الاسرائيلي ووزير الأمن السابق موشيه يعالون، الذي شارك ليلة السبت – الأحد في مظاهرة في مدينة حيفا طالبت الحكومة بإعادة المحتجزين الاسرائيليين في أسرع وقت والاستقالة في أعقاب إخفاق 7 أكتوبر، وإجراء انتخابات جديدة للكنيست. وقال يعالون في كلمة ألقاها في المظاهرة: “مرت 100 يوم على الحرب في قطاع غزة والحدود الشمالية، والنهاية ليست في الأفق. 100 يوم ونحو 1400 قتيل وآلاف الجرحى و136 مخطوفاً لدى حماس وأكثر من 100 ألف جرى إجلاؤهم من بيوتهم، وحتى الآن هذه الحكومة التافهة لم تقرر بعد ما هي أهداف الحرب وكيف ستنتهي”، مضيفاً: “إن المسؤول عن الاخفاق لا يزال يشغل منصب رئيس الحكومة، (في إشارة إلى بنيامين نتنياهو)، ويرفض تحمّل المسؤولية”.

ففي السابع من تشرين الأول الماضي، نفذت حركة “حماس” عملية نوعية ومفاجئة تمثلت في شن هجوم مباغت على جنوب إسرائيل، انطلاقاً من غزة وهاجمت بلدات في النطاق الجغرافي للمنطقة العسكرية التي تسميها إسرائيل منطقة “غلاف غزة”، ما أسفر عن مقتل 1200 شخص وإعتقال 240 من الرهائن وإقتيادهم إلى غزة، وفقاً للإحصائيات الإسرائيلية. ووسط حالة من الضياع والارباك، وتحت وطأة الصدمة، أعلن نتنياهو أن إسرائيل في حالة حرب، وبدء غارات جوية انتقامية على قطاع غزة المكتظ بالسكان، إلى جانب حصار كامل للقطاع. وكان الهدف الأول للحرب كما أوضح نتنياهو، هو القضاء على حركة “حماس”، وإستعادة المئات من الأسرى الاسرائيليين الذين أصبحوا في قبضة المقاومة الفلسطينية.

وبعد 20 يوماً من التمهيد الناري العنيف في أجزاء متفرقة من القطاع، بدأت إسرائيل توغلا برياً محدوداً، قامت به آليات ثقيلة وعدد قليل من الجنود ونافذة زمنية ضيقة، فيما بدا أنه حالة لاستطلاع أرض المعركة وبيئتها وقدرات المقاومة وإمكاناتها وجاهزيتها، فضلاً عن اكتشاف شبكات الأنفاق الرئيسة التي تعتبر معقلاً لقيادات “حماس” وكوادرها العسكرية ومخازن لمنصات المسيرات والصواريخ.

في موازاة عملية الاستكشاف، كان الجيش الاسرائيلي يحشد قوات النخبة (الأكثر تدريباً وتجهيزاً وكفاءة قتالية) على حدود القطاع، تمهيداً واستعداداً لشن هجوم بري واسع. وطيلة الفترة الممتدة بين 7 و27 تشرين الأول الماضي (عندما بدأت العملية البرية)، إعتمد الجيش الاسرائيلي طريقة القصف المستمر بقنابل مضادة للتحصينات من أجل الترويع والوصول إلى الأنفاق التي تعتبرها اسرائيل أقوى أسلحة المقاومة، بحيث نفذت قرابة 500 ساعة طيران وألقت نحو 20 ألف طن من المتفجرات. وفي 27 تشرين الأول، بدأ الجيش الاسرائيلي هجومه البري على القطاع من ثلاثة محاور هي بيت حانون شمالاً، وبيت لاهيا في الشمال الغربي، بهدف تغطية المساحة التي تمتد من البحر المتوسط غرباً وحتى السياج الفاصل شرقاً. وفي الوقت نفسه إجتازت قوات الاحتلال الأراضي الزراعية في وسط القطاع من جحر الديك وصولاً الى شارع صلاح الدين، وذلك بهدف تقطيع أوصال الجزء الشمالي من القطاع بخطوط عرضية مع الابقاء على الغطاء الناري لقصف مدفعي وجوي وبحري، بلا توقف ولا إنقطاع، من دون أن تتمكن من الاطباق على مدينة خان يونس أو القرارة التي توقفت عندها القوة المهاجمة من دون أن تحرز أي تقدم. وتعرضت القوات المهاجمة لخسائر في الجنود والآليات، ما أجبرها على إعادة تنظيم قواتها، بعد نحو شهرين من العملية البرية، فسحبت ألوية أبرزها “غولاني”، ودفعت بـ8 ألوية إلى الجنوب.

بالتوازي مع هذه التعزيزات للقوات الاسرائيلية، كثفت “كتائب القسام” من هجماتها، إعتماداً على سياسة الكمائن وحقول الألغام وعمليات الاستدراج، كما عدلت من تكتيكها القتالي مؤكدة سلامة وإستمرارية تسلسل إصدار الأوامر الميدانية وتنفيذها، وفق ما يظهر من الصور التي تبثها للعمليات.

بعد 100 يوم على حرب الابادة على غزة، لا زالت عصية على الغزاة، بحيث أشارت صحيفة “هآرتس” العبرية الى أن “إحتمال تحقيق إسرائيل نصراً عسكرياً، يبدو أمرا بعيداً أو مستبعداً”، خصوصاً وأن الروح القتالية لدى المقاومة تزداد صلابة مع صمودها الأسطوري، مقابل الاحباط والتخبط والانقسام داخل الكيان الصهيوني، الذي لا يزال جيشه عاجزاً عن تحقيق أهداف الحرب المعلنة. 100 يوم، وإسرائيل تتعايش مع الهزيمة المستمرة.

شارك المقال