مبدأ بايدن… الحرب لعدم “توسيع الحرب”!

ياسين شبلي
ياسين شبلي

بعد 7 أيار 2008 في بيروت، ظهر شعار جديد طرحه “حزب الله” وهو “السلاح لحماية السلاح” في تأكيد منه على أن سلاحه من “المقدسات” ودونه الموت. ويبدو أن هذه العقلية الناتجة على ما يبدو عن “فائض القوة” التي يتمتع بها الفرد أو المجموعة، هي واحدة في كل المجتمعات والنظم الحاكمة والحركات السياسية الثورية منها وغير الثورية.

فمنذ بداية العدوان الصهيوني على غزة يوم السابع من تشرين الثاني الماضي بعد عملية “طوفان الأقصى”، طلعت علينا أميركا بشعار عدم توسيع الحرب، طرحته وكأنها بذلك تصنع جميلاً مع المنطقة لتجنيبها الأسوأ وهو ما قد يكون صدَّقه بعض السذَّج من الناس، في حين كان يجب أن يكون الشعار وقف الحرب ومعالجة أسبابها بأية طريقة كانت غير اللجوء إلى القوة المفرطة التي لا تتناسب مع أي فعل اتخذ كمبرر لها، وذلك لو كانت هناك نية حقيقية لعدم توسيع الحرب فعلاً، بمعنى أن مجرد إندلاع الحرب يحمل في طياته إحتمال توسعتها لأي سبب وقد يكون خارجاً عن إرادة أي كان وبسبب خطأ غير مقصود ربما.

لكن الواقع والتطورات أثبتا أن الأمر لم يكن يعدو كونه ستاراً لحماية إسرائيل وترك المجال لها والوقت لتمارس إنتقامها وساديتها ضد المدنيين الفلسطينيين، في محاولة منها لتأديب حركة “حماس” وفصائل المقاومة الفلسطينية في غزة، وربما كذلك بعض المراعاة وحفظ ماء الوجه للبعض من “أصدقائها” العرب للقول بأنها تسعى الى حل الدولتين، هذه الجملة التي باتت تستعمل كمسكِّن يعطى لهذه الأنظمة ليجنِّبها “وجع الرأس” الذي تفرضه التطورات في بعض الأحيان، ولم يكن الهدف أبداً حماية المنطقة من الحرب على حد زعم إدارة جو بايدن الأمر الذي جعل من هذا الشعار في أحسن الأحوال – إذا أحسنَّا الظن – كلام حق يراد به باطل.

وقد أثبتت التطورات على مدى 100 يوم من الحرب ما نحن بصدده، إذ إن الولايات المتحدة حشدت أساطيلها العسكرية، وكذلك ديبلوماسيتها لحماية إسرائيل على الرغم من كل المجازر التي ارتكبت في غزة بحق المدنيين وغالبيتهم من الأطفال والنساء والشيوخ، كذلك ضد الصحافيين والأطقم الطبية والمستشفيات، والمدارس التابعة بغالبيتها لمنظمة “الأونروا” أي للأمم المتحدة – وهي كلها المفروض أنها أسباب وجيهة لتوسعة الحرب لولا الخنوع والتخاذل – واتخذت من هذا الشعار ستاراً للضربات العسكرية سواء في سوريا أو العراق وصولاً حتى اليمن وذلك لإرهاب المنطقة على ما يبدو، بذرائع تندرج تحت بند المضحك – المبكي، وهي الرد على الهجمات التي “تتعرض” لها قواتها في المنطقة وكذلك الهجمات على إسرائيل، وهي هجمات لا تعدو كونها كالمفرقعات النارية التي تطلقها أذرع إيران في كل من سوريا والعراق تغطيةً هي الأخرى على فشلها في الرد الجدي على العدوان على غزة.

والاستثناء ربما ما يحصل على جبهة الجنوب اللبناني الذي يدخل في باب المساندة لغزة والمشاغلة للعدو ليس أكثر، مع تكلفة بشرية وإقتصادية عالية يتكبدها لبنان وجنوبه خصوصاً، كذلك ما تتعرض له السفن المتوجهة إلى إسرائيل في البحر الأحمر من هجمات حوثية أدت الى إقامة حلف ضدها بإسم “حارس الازدهار”، كل ذلك كرمى لعيون إسرائيل “واحة الازدهار” الوحيدة في الشرق الأوسط، وهو ما لم تقم به أميركا أيام الحرب الحوثية على المملكة العربية السعودية وتهديدها الملاحة الدولية يومها، بل ذهبت أكثر من ذلك ومنعت سقوط مدينة الحُديدة بيد قوات الشرعية اليمنية، وكذلك قصف الحوثي لـ “أرامكو” وغيرها من المنشآت السعودية، ما يثبت نفاق هذه الادارة التي رفعت هي نفسها إسم الحوثي من قائمة الارهاب الأميركية لتعود وتتهمه اليوم بالارهاب خدمةً لإسرائيل ورسالةً لإيران تذكرها فيها ربما بصداقتهما “اللدودة”.

وهكذا تكون الولايات المتحدة قد لجأت الى ممارسة الحرب بهدف عدم “توسيع الحرب”، ونجحت بذلك في تمديد “رخصة القتل” التي منحتها لإسرائيل وبنيامين نتنياهو وحكومته المؤلفة من مجموعة من “المجانين” أمثال ايتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش وغيرهما، وبالتالي مد أمد الحرب على غزة على الرغم مما تدَّعيه من خلاف مع نتنياهو على “اليوم التالي” للحرب، وهو خلاف لا يمكن أن يخرج عن كونه خلافاً تكتيكياً في سنة الانتخابات الأميركية التي وجدت على ما يبدو في الدم الفلسطيني والعربي وقوداً إضافياً يساعد بايدن على خوضها.

من هنا يبدو أن الحرب طويلة ما دام نتنياهو وحكومته وجيشه مطلقي اليدين في ممارسة القتل الجماعي والتطهير العرقي حتى الترانسفير، على الرغم من كل إدعاءات الخلاف بين مكونات هذه الحكومة الارهابية والذي لا يمكن أن يُصرف إلا في الداخل الصهيوني وليس في غزة الشاهدة… و”الشهيدة”.

شارك المقال