غزة بعد 100 يوم من الحرب… مستقبل مجهول 

لبنان الكبير

طوى أهالي غزة يوم الأحد صفحة 100 يوم من الحرب على القطاع، وفتحوا صفحة إحصاء جديدة لا يعرفون متى سيأتي وقف إطلاق النار فيها.

كل تفاصيل قطاع غزة تغيرت، لا شيء بقي على حاله؛ فالنزوح يتلوه نزوح، والقتل يتبعه موت، والجوع والعراء حالان متلازمان.

حي الرمال الراقي، الذي كان أهالي غزة يتباهون به ويعدُّونه صورة مشرّفة لقطاعهم، أصبح الآن ركاما بعدما أبادت الصواريخ معظم مبانيه ودهست الدبابات والجرافات ما تبقى منها.

تحوَّل الحي إلى مكان تسكنه الأشباح بعدما تهدمت جدرانه وانطفأت أنواره وأشاعت ظلمته عتمة في قلوب سكان غزة حينما تعبر في أذهانهم كلمة “المستقبل”.

فما مر به سكان القطاع لم يكن بالأمر الهين، بينما تشير الأرقام الرسمية إلى تدمير 69 ألف وحدة سكنية كليا، و290 ألف وحدة جزئيا، ولم يعد في القطاع بأكمله مكان صالح للعيش بصورة طبيعية، وتحوَّل مليونا فلسطيني إلى نازحين من أصل 2.3 مليون هم سكان القطاع.

ويشير المكتب الإعلامي الحكومي في غزة في أحدث إحصاء له إلى أن أكثر من 23 ألف فلسطيني سقطوا “في 1944 مجزرة” منهم عشرة آلاف طفل وسبعة آلاف سيدة في حين أن عدد المفقودين تجاوز سبعة آلاف.

وسقط على غزة وفق ذات الإحصائية 65 ألف طن من المتفجرات كانت كفيلة بتحويل القطاع إلى منطقة كارثية يسودها المرض والجوع.

الدفن مرتان

قاسم سعد الذي مر بثلاث مراحل من النزوح حتى انتهى به المطاف في مدينة رفح الحدودية مع مصر، لم يعد يشغله المستقبل، ولا حتى كيف يعيش اليوم التالي، تجرد من كل أحلامه وأصبح جل اهتمامه العثور على أفراد عائلته الذين لا يعرف إن كانوا في عداد الأموات أم الأحياء.

يقول سعد لوكالة “أنباء العالم العربي” (AWP) إنه نزح من شمال قطاع غزة إلى وسطه، ثم نزح إلى الجنوب في خان يونس، وبعدها إلى رفح.

ويضيف “تعرض بيتنا في مدينة غزة للقصف، كنت حينها خارج المنزل؛ لا أعلم مصير زوجتي وأبنائي، ولم أعثر على أسمائهم في سجلات المستشفيات التي توثّق من سقطوا في الغارات الإسرائيلية. ربما بقوا تحت الركام وتحللت جثثهم تحت الأنقاض”.

وهناك آلاف مثل سعد لا يعرفون أين بقية أفراد عائلاتهم، هل هم تحت الأنقاض أم نزحوا إلى أماكن أخرى وتقطعت بهم السبل؟

وفي مقبرة حي التفاح التي نبشها الجيش الإسرائيلي، لم يجد أحمد صالح جثمان ابنه الذي فقده في القصف. ويقول بألم “محظوظ من وجد جثمان قريبه ودفنه مرة أخرى بعد أن نبش الجيش الإسرائيلي المقابر وأخرج الجثث منها وصادر ما صادر وترك ما ترك”.

ويضيف “للأسف لم أتمكن من العثور على جثة ابني، بحثت عنها كثيرا بين الجثث التي أخرجها الجيش من القبور لكن لم أجده. نحن لا نتعرف إلى الجثث من خلال شخصيات أصحابها لأن كثيرا منها تحلل، لكن من خلال أسماء كتبت على الأكفان”.

وبحسب صالح فإن مئات الجثث أُخرجت من القبور في هذه المقبرة وتم لاحقا إعادة دفنها.

ويشير المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إلى أن 1100 جثة أُخرجت وصادر الجيش الإسرائيلي منها 150 جثة.

ويعتقد الإسرائيليون أنه قد يكون هناك محتجزون إسرائيليون قُتلوا أو تُوفوا في أثناء احتجازهم وتم دفنهم في هذه المقابر.

حياة النزوح بمستويات مختلفة

يصف أهالي غزة بعض النازحين بالمحظوظين في حين يصفون بعضهم الآخر بسيّئي الحظ، فحتى رحلة النزوح أصبحت بمستويات مختلفة، فمن يملك خيمة فهو من المحظوظين، ومن تقطعت به السبل وبات في العراء فهو الأعثر حظا.

لم يفلح أحمد الندر في الحصول على خيمة تؤويه مع عائلته التي نزحت إلى رفح، فاضطر لجمع قطع نايلون شبه ممزقة وحاول أن يصنع منها مكانا يلوذون به.

ويقول لوكالة أنباء العالم العربي “الأمور هناك لا يحتملها بشر، ولا يصل العيش إلى مستوى البشر في أي مكان من هذا العالم. كل هيئات الإغاثة المحلية والدولية غير قادرة على تلبية احتياجات النزوح المتزايدة”.

ويشير الندر إلى أن البعض يحصل على خيمة مصدرها دولة غنية، ومن ثم تكون عالية المستوى، في حين يحصل آخرون على خيمة من دولة أخرى فتكون أقل جودة ومساحة.

ويضيف “حتى اللجوء أصبح بمستويات لكن بالمجمل لا حياة هنا، لا مياه لا طعام والأسعار التي تباع فيها السلع التجارية مرتفعة جدا إذ تضاعفت الأسعار عدة مرات في وقت فقد فيه الناس القدرة الشرائية”.

ويقول إن زوجته وصلت إلى مرحلة تضطر فيها لغسل حفاضات طفلها الرضيع لتعيد استخدامها مرة أخرى.

ويضيف “الأمراض هنا منتشرة جدا، فالنظافة معدومة والقمامة تحيط بنا فضلا عن البرد الشديد الذي يصيب الكثير من الأطفال بالأمراض الرئوية”.

لكن على الرغم من كل ما يعانيه النازحون في جنوب قطاع غزة من ظروف قاسية، فإن من بقوا في شمال القطاع يعدُّون أنفسهم في عداد الأموات فإسرائيل تواصل منع وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق الشمالية، في حين خرجت المستشفيات هناك عن الخدمة منذ فترة طويلة.

وتقول نبال فرسخ المتحدثة باسم “الهلال الأحمر الفلسطيني”: “مئات الآلاف محرومون من الخدمة الطبية في شمال قطاع غزة”، ناهيك عن الحرمان من المساعدات الإنسانية.

وأضافت قائلة لوكالة “أنباء العالم العربي” إن الهلال الأحمر يحاول تقديم خدمة من خلال نقطة طبية أنشأها في منطقة جباليا يقوم عليها متطوعون.

ووصفت الحال بقولها “الأوضاع في الشمال تتجاوز حد المأساوية”.

عن وكالة أنباء العالم العربي

شارك المقال