دخان المعارك يخنق الجنوبيين و”الحزب” داير “دينتو الطرشة”!

جورج حايك
جورج حايك

لا يمكن لأحد أن يتغاضى عن النكبة التي أصابت الجنوبيين منذ 8 تشرين الأول الفائت، عندما قرر “حزب الله” الدخول في الحرب في مواجهة اسرائيل على الحدود اللبنانية – الاسرائيلية دعماً للفلسطينيين في غزة.

لا شك في أن الجنوبيين كمعظم اللبنانيين متضامنون مع أهالي غزة الذين يُقتلون يومياً بالمئات والآلاف نساء وأطفالاً وشيوخاً، لكن لم يكن في حسبانهم، أن يصبحوا ضحايا في حرب ليست حربهم، بل تضامنهم لا يعني تعريض أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية للخطر، وتعطيل أعمالهم ودفعهم إلى ترك بيوتهم وأرزاقهم في ظل انهيار اقتصادي ومعيشي يعيشونه منذ العام 2019، وكأن مصائبهم لا تكفيهم، حتى يأتي “الحزب” المرتبط باستراتيجية ايران في المنطقة ليزيد الطين بلّة ويستدرج اسرائيل، تحت ذريعة “مشاغلة” الجيش الاسرائيلي شمالاً للتخفيف عن حركة “حماس” في غزة.

واللافت أن مصير الجنوبيين، وخصوصاً سكّان قرى الشريط الحدودي، يبدو مجهولاً، في ظلّ الكلام عن إحتمال توسّع الحرب أو قيام اسرائيل بعملية برية لإرجاع “الحزب” إلى نهر الليطاني تطبيقاً للقرار 1701، بل أكثر من ذلك، يشعرون أن لا مرجعية لهم، فالدولة غائبة على نحو فاضح، والجيش اللبناني و”اليونيفيل” مغيّبان، لمصلحة مقاتلي “الحزب” والفصائل الفلسطينية التي تسرح وتمرح بـ”قبّة باط” من “الحزب”.

هذا الواقع أدى إلى نزوح الجنوبيين من القرى الحدودية مثل كفركلا والعديسة ويارين والضهيرة ومروحين وعيتا وشبعا وكفرشوبا ورميش وعين ابل ودير ميماس وغيرها نحو مناطق أكثر أماناً في الجنوب وبيروت، وخسروا مواسمهم الزراعية وخصوصاً قطاف الزيتون، كما توقّفت الأعمال في ورش البناء وبعض المصالح الصغيرة، وتعطّلت المدارس، وتعرقلت الدورة الاقتصادية.

وهنا لا بد من استطلاع الوضع الجنوبي وفقاً للأرقام، ويرى الباحث في “الدولية للمعلومات” محمد شمس الدين أن ما يقارب حوالي 80 ألف شخص نزح من القرى الحدودية الجنوبية، ولكان العدد ربما أكبر لو كنا في فصل الصيف، إلا أن بعض الجنوبيين يملك بيوتاً في بيروت، ومعظمهم وجد أماكن يقيم فيها، إما بيوت يملكونها أو استأجروها أو انتقلوا للإقامة مؤقتاً لدى أقاربهم في مناطق جنوبية بعيدة عن خط النار أو في بيروت. أما الذين احتموا في المدارس والمستوصفات والكنائس والأديار فلا يتجاوز عددهم الـ4000. وهناك أقلية، قد يكون عددها 1200 شخص من الذين يتمتعون بأوضاع مالية مريحة قصدوا جبل لبنان.

ويعتبر شمس الدين أن الخطر الأكبر إذا استهدفت اسرائيل العمق الجنوبي مثل النبطية وصور، وعندها سيكون نزوحاً كبيراً بإتجاه المناطق الداخلية البعيدة عن مرمى الاستهداف كما حصل خلال حرب تموز 2006.

لا احصاءات وأرقام واضحة حتى الآن لدى “الدولية للمعلومات” عن الخسائر الاقتصادية في الجنوب، وفق شمس الدين، فهذا الاستطلاع لا يمكن اجراؤه قبل أن تنتهي الحرب. ويؤكّد أن العائلات النازحة وغير النازحة من قرى الشريط الحدودي تتلقى بعض المساعدات، وقد علمنا أن مجلس الجنوب الذي أعطته الحكومة سلفة بـ300 مليار ليرة، قدّم إعانات غذائية، إضافة إلى بعض الجمعيات و”الحزب” أيضاً.

أما زراعياً، فيقدّر شمس الدين الخسائر، بحسب معطيات وزارة الزراعة بخمسة ملايين متر وخصوصاً في أحراج الزيتون.

وتتطابق أرقام شمس الدين مع أرقام التقرير الذي أصدرته المنظمة الدولية للهجرة، وأشار إلى أن عدد النازحين لا يقل عن 80 ألفاً، 93% منهم ينحدرون من 3 أقضية حدودية: 48% من بنت جبيل، و33% من مرجعيون و12% من صور. وتوزع النازحون على 5 مناطق، بنسبة 31% لجؤوا إلى قضاء صور، و17% إلى قضاء النبطية، و15% إلى صيدا، و9% إلى بعبدا، و7% إلى بيروت والبقية توزّعت على مناطق أخرى.

وتفيد المنظمة الدولية للهجرة بأن نحو 80% من النازحين يقيمون عند عائلات مضيفة، و17% استأجروا منازل، وانتقل 1% إلى مساكنهم الثانوية، بينما يعيش نحو 2% منهم (1100 نازح) في 14 مأوى جماعياً.

في المقابل، يوضح الموفد الخاص لرئيس “القوات اللبنانية” في الجنوب جان علم، أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في قرى الشريط الحدودي كارثيّة، معتبراً أن لا حياة طبيعية هناك، فكل الأعمال معطّلة، وقد خسر الجنوبيون موسم الزيتون، والآن موسم التبغ مهدد بالخطر، علماً أن أهالي المنطقة ينتظرون مواسمهم الزراعية من سنة إلى أخرى.

ويلفت إلى أن مجلس الجنوب قدّم مرة واحدة منذ بداية الحرب مساعدة غذائية لكل عائلة، لكن السؤال: هل هذا كاف؟ الناس ليسوا “شحادين”، وحصة غذائية لا تكفي لأيام قليلة، فماذا تفعل العائلات التي لم تنزح وبقيت في بيوتها في ظلّ تعطّل الدورة الاقتصادية هناك؟ و”الحزب” يساعد بيئته بـ100 دولار، فيما المواطن لا يريد مساعدات إنما يريد حياة وأماناً ليعيش على نحو طبيعي، فيؤمّن قوته بنفسه ويعلّم أولاده، ويهتم بأراضيه الزراعية، كلّ هذه الأمور غير متوافرة في الوقت الحاضر.

ويأسف علم لغياب الدولة، إذ لا يشعر المواطنون بها، فالفوضى تسود الوضع الميداني، وهذا أمر لا يمكن أن يستمر. ويشير إلى أن القرى الشيعية لا تجرؤ على رفض ممارسات “الحزب” لأنها تُتهم بالخيانة فوراً، فيما القرى المسيحية ترفض ما يفعله “الحزب”، لكن من دون جدوى، فالبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي رفع الصوت عالياً، والكنيسة طبعاً مهتمة بأبنائها عبر الجمعيات التابعة لها مثل “كاريتاس”، إلا أنها لا تستطيع أن تفرض السلم والحياد، وتكتفي اليوم بإعلاء الصوت.

ولا يختلف اثنان على أن كثراً من سكّان الجنوب باتوا يفضّلون أن تتوسّع الحرب، على طريقة “إذا ما كبرت ما بتصغر”، ما سيؤدي إلى إنهاء الحرب وتطبيق القرارات الدولية، وفق علم، وليس لأنها تحبّذ الحرب.

وليس سراً أن أهالي القرى الحدودية هم ضحايا “حزب” لديه حسابات اقليمية. ويختم علم: “نصر الله وحلفاؤه في اليمن وسوريا والعراق يتكلّمون اللغة نفسها، وأرى أن الشعب اللبناني كلّه ضحية وليس الجنوبيين فقط، والحزب أعلن بشكل صريح وواضح منذ بداية الحرب أنه سينخرط فيها دعماً لغزة، ونصر الله يُردد في كل اطلالة له أن لا سلام في الجنوب إذا لم تتوقّف الحرب في غزة، فهل لا يزال هناك شك في أن الجنوبيين ضحايا؟”.

شارك المقال