لبنان من “طائر الفينيق”… الى الدجاج

محمد شمس الدين

لطالما لُقب لبنان بـ “طائر الفينيق” الذي ينهض من الرماد، وأصبح اللقب لصيقاً به على مدى أكثر من 100 سنة من التأسيس، إلا أن ما يعيشه البلد منذ 1 تشرين الثاني 2022، يدفع الى الشك بأنه يستحق هذا اللقب، بل إن اللقب الأنسب له هو طائر الدجاج، نسبة إلى الدجاجة الشهيرة “مايك” التي عاشت 18 شهراً بعد قطع رأسها.

في 20 نيسان عام 1945، استضاف المزارع الأميركي لويد أولسن في ولاية كولورادو حماته على العشاء، وقرر لهذه المناسبة أن يطعمها دجاجاً، فخرج إلى مزرعته واختار دجاجة من نوع “وايندوت” (سلالة من الدجاج منشأها أميركي)، وعندما قطع رأسها بقيت حية، وأصبحت هذه الدجاجة شهيرة جداً في تلك الفترة لبقائها حية مدة 18 شهراً بعد قطع رأسها.

واكتشف العلماء أن الدجاج في العديد من الحالات يبقى حياً حتى بعد قطع رأسه، بسبب بقاء بعض خلاياه الدماغية المسؤولة عن الحركة فاعلاً، إلا أنها حياة مؤقتة، ولعل “مايك” تعتبر أكثر دجاجة صمدت بعد قطع رأسها.

وفي حالة لبنان يسير بلا رأس منذ سنة و3 أشهر، ولا يزال حياً، بل ان الحكومة اليوم تسيّر الأعمال لدرجة ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية، بحيث أقدمت يوم الجمعة الماضي على رد قوانين إلى مجلس النواب، وهي تفاوض الموفدين الدوليين على اتفاقات دولية، وكل هذا من صلاحيات رئيس الجمهورية الذي احتل كرسيه الفراغ.

الحياة “الطبيعية” للبلد في ظل غياب رأس الدولة لم تمر من دون تعليق، اذ قال البطريريك الماروني بشارة الراعي في عظة الأحد: “لا يمكن القبول أن تحصل وتسير قانوناً مفاوضات ومعاهدات واتفاقات التي هي حصراً من صلاحيّات رئيس الجمهوريّة وفقاً للمادّة 52 من الدستور”.

أضاف الراعي: “أخيراً كثر الحديث في هذه الأيّام، عن حركة دوليّة تهدف إلى ترسيم الحدود البريّة الجنوبيّة للبنان، على الرغم من أنّ هذه الحدود مُرسّمة ومُثبتة بموجب إتفاقات دوليّة منذ أكثر من 100 عام. كلّ هذا يجري وموقع الرئاسة الأولى شاغر، وبوجود حكومة غير مكتملة الصلاحيّات، وهما المرجعيّة الوحيدة الصالحة للبتّ في هذا الشأن الوطنيّ المهمّ جدّاً”. ودعا إلى عدم إجراء أي تعديل حدوديّ في ظلّ شغور رئاسيّ وسلطة إجرائيّة صلاحيّاتها غير مكتملة.

على الرغم من هذا التعليق، علم “لبنان الكبير” أن البطريرك الراعي طلب من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أن يوقف القانونين الذين أقرا في الجلسة التشريعية الأخيرة، المتعلقين بالمدارس الخاصة ومعلميها، وكان ميقاتي متجاوباً معه.

وكذلك علق عضو كتلة “الجمهورية القوية” النائب جورج عدوان وعضو كتلة “الكتائب” النائب الياس حنكش على رد الحكومة لقوانين في جلستها يوم الجمعة، بإدانة الأمر كونه من صلاحيات رئيس الجمهورية.

وبالتالي هل يمكن القول ان لبنان يستطيع المضي بلا رأس كالدجاجة؟

المجلس النيابي لا يبدو متقبلاً لفكرة رد الحكومة لقوانين، فقد علم “لبنان الكبير” من مصادر المجلس أن القوانين التي ردتها الحكومة لن يقبل المجلس ردها، كون الأمر تجاوزاً لصلاحياتها، وهي تنشر حكماً في الجريدة الرسمية بعد شهر من إقرارها.

وفيما لم تتضح بعد ردود الفعل على خطوة الحكومة، قال عضو كتلة “الجمهورية القوية” النائب غياث يزبك في حديث لموقع “لبنان الكبير”: “لن نسكت عن هذا الموضوع لأنه لا يمكن السكوت عنه، وسنبحث في كل الوسائل القانونية المتاحة لنصحح عمل الحكومة، ونمنع تغييب موقع رئيس الجمهورية، خصوصاً أن رد القوانين هو صلاحية لصيقة به، بالاضافة إلى وجوب احترام القوانين الصادرة عن المجلس النيابي، غير القابلة للرد من الحكومة، وسنعقد اجتماعاً ككتلة ونتباحث في الأمر وسنتحرك بالسياسة والقانون”.

وتعليقاً على أن البلد يسير بلا رأس، أشار أحد الوزراء السابقين في حديث لموقع “لبنان الكبير” إلى أن “السيارة التي تكون واقفة على منحدر لا سائق أو محرك أو حتى وقود لتنزل إلى أسفله، كل ما تحتاجه هو دفشة، وهذا حال لبنان”.

أما عن كيفية رد الحكومة قوانين إلى مجلس النواب الأمر الذي ليس من صلاحيتها بل من صلاحيات رئيس الجمهورية؟، فأجاب الوزير: “أولوية السؤال هي كيف هناك قوانين من أصله ولا يوجد رئيس؟ فليتم انتخاب رئيس وعندها لن تكون هناك هذه المشكلة”.

ورأى الوزير أن الأمر يتخطى موضوع غياب الموقع المسيحي الأول، إلا أنه شدد على أهمية تضامن المسيحيين لعدم تخطي تمثيلهم في الدولة طالما أن البلد لا يزال طائفياً.

إذاً، قد يبدو أن البلد يعيش بلا رأسه، ولكن سيصيبه مثل الدجاجة “مايك”، وسيأتي وقت ويموت، لا سيما أن الفراغ هذه المرة لم يحصل في وضع طبيعي للبلد، بل وسط الانهيار وفي احدى أسوأ الأزمات في التاريخ، بالاضافة إلى وضع إقليمي متأزم من تبعات الحرب على غزة التي يمكن أن تمتد في أي لحظة إلى لبنان.

شارك المقال