في كواليس دعوى جنوب افريقيا والمحكمة والدور اللبناني!

جورج حايك
جورج حايك

أثارت جنوب افريقيا جدلاً كبيراً في العالم على خلفية الدعوى التي قدّمتها إلى محكمة العدل الدولية ضد اسرائيل بعدما اتهمتها بممارسة “الابادة الجماعية” ضد الفلسطينيين في غزة، وتساءل كثيرون عن الدوافع: هل هي حقوقية بحتة أو سياسية؟

لكن مهما كانت الدوافع، فقد لاقت ترحيباً من الشعب الفلسطيني وكل الشعوب الأخرى المتضامنة مع قضيته، من هنا لا بد من التعرّف إلى كواليس هذه المحكمة والكلام عن دور لبناني من مصدر قانوني لبناني مطلع على تفاصيلها.

بدأت محكمة العدل الدولية فعلاً بالنظر في الدعوى في لاهاي مثيرة الجدل في العالم أجمع بعدما دافع المحامون الاسرائيليون عن دولتهم بأنها تمارس حق الدفاع عن النفس لأنها تعرّضت إلى الابادة من حركة “حماس”، علماً أن اسرائيل سقط لها 1200 قتيل في عملية “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأول 2023، فيما بلغ عدد الضحايا في غزة ما لا يقل عن 25 ألفاً!

فلماذا أثارت حرب اسرائيل على غزة غضب افريقيا الجنوبية ودفعتها إلى رفع دعوى أمام محكمة العدل الدولية؟ يجيب المصدر القانوني اللبناني: “لا جواب مباشر، ولا خلفيات واضحة، إلا أن ما تواتر عن وسائل إعلام افريقيا الجنوبية أنها مرت في تاريخها بظروف صعبة في ما يتعلق بالتمييز العنصري، وقد رأت أن معاناة الفلسطينيين اليوم مماثلة لمعاناتها، كما أثار امتعاضها هتك اسرائيل لحقوق الانسان في غزة، وربما تكون هناك خلفيات أخرى لا نعرفها”.

واللافت أن محكمة العدل الدولية هي محكمة أسستها الأمم المتحدة ومبدئياً كل الدول الأعضاء في الجمعية الدولية تكون أعضاء في المحكمة حكماً، وهي مؤلفة من 15 قاضياً يُنتخبون كل فترة، وتستمر مهمة كل قاضٍ فيها 9 أعوام. ويستطرد المصدر القانوني: “ان اختصاص هذه المحكمة جريمة الابادة، والمفارقة أن اليهود اشتغلوا كثيراً في التاريخ الحديث لإقرار اتفاقية منع الابادة التي وقّعت عام 1948، وقد خُصّصت هذه المحكمة بضغط منهم نتيجة للجرائم التي ارتكبها الزعيم الألماني النازي أدولف هتلر، ويبدو أن هذه الاتفاقية تُستخدم ضدهم هذه المرة!”.

لكن الدعوى التي رفعتها جنوب افريقيا لم تمر من دون انتقادات كثيرة حول العالم، نظراً إلى أن البعض شعر باستنسابيتها، وهناك من تساءل لماذا لم تقدّم جنوب افريقيا دعوى ضد رئيس النظام السوري بشار الأسد عندما مارس الابادة ضد شعبه، كما أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يقصّر مع الشعب الأوكراني؟

يرد المصدر القانوني: “قد تكون تساؤلات بعض الناس مشروعة، إلا أن جنوب افريقيا اعتبرت أن ما حصل في سوريا كان حرباً أهلية، فيما اسرائيل تقتل شعباً آخر وهو مهجّر من أراضيه منذ العام 1948”. ويلفت إلى أن الجنوب افريقيين يعرفون أن هذه الدعوى والمحاكمة قد تنعكسان عليهم سلباً سياسياً واقتصادياً، وقد تخوض اسرائيل وحلفاؤها في العالم حرباً اقتصادية ضدهم، إلا أنهم يؤكدون أن ما يهمهم هو حقوق الانسان، وربما تكون هناك دوافع سياسية مخفية لم تظهر حتى الآن.

في المقابل، يستغرب ديبلوماسي لبناني سابق المواقف الجديدة لجنوب افريقيا، ويعود بالذاكرة إلى تصريح للزعيم التاريخي لجنوب افريقيا نيلسون مانديلا عندما زار اسرائيل مثنياً عليها بأنها أمل الشرق الأوسط.

وفي المؤتمر الصحافي الذي عقده وفد جنوب افريقيا حول تقديم دعوى ضد اسرائيل، سُئل رئيس قسم القانون الدولي في جنوب إفريقيا عما إذا كانت بلاده تعتبر “حماس” منظمة إرهابية، فأجاب: “نحن لا نصنّفها على أنها منظمة إرهابية لأنها لا تعمل في أراضينا”.

ويبرر الديبلوماسي موقف جنوب افريقيا المتحمّس لمناصرة القضية الفلسطينية بأنها تعاني من مشكلات اقتصادية كبيرة وتبحث عن استثمارات قطرية، فلا بأس ببعض الشعبوية، مشيراً إلى أنها تزايد على الدول العربية في هذا المجال.

من جهة أخرى، يعتبر كثر من اللبنانيين أن اسرائيل ارتكبت مجازر في حرب تموز 2006 ضد لبنان، إلا أن أحداً لم يتحرّك لرفع دعوى إبادة. ويؤكّد المصدر القانوني اللبناني المطلع أن اثبات جريمة الابادة ليس سهلاً في القانون الدولي، وربما لم تكن هذه الجريمة تنطبق على ما حصل في حرب تموز 2006 ضد لبنان، وحتى في الدعوى المقامة ضد اسرائيل على خلفية حرب غزة على محامي جنوب افريقيا وغيرهم أن يثبتوا النيّة الجرميّة لاسرائيل سعياً إلى ابادة الشعب الفلسطيني، ورفع الدعوى لا يعني أن جنوب افريقيا ستنجح!

لا أحد يعرف كم ستطول المحاكمات، ربما سنوات طويلة، إلا أن المصدر القانوني يوضح أن هذا لا يمنع من أن تكون هناك تدابير استثنائية ومستعجلة ريثما يصدر حكم نهائي، فتستطيع جنوب افريقيا أن تطلب مثلاً وقف الحرب ومنع قتل المدنيين في غزة. مع ذلك، لا تستطيع المحكمة أن تُلزم أحداً بالقوة، حتى أنها لا تستطيع أن تنفّذ الحكم إذا كان صاحب العلاقة لا يريد تنفيذه.

أما طبيعة الحكم فتتعلق بطبيعة المحكمة التي يشمل اختصاصها الخلافات بين الدول، لذلك يرجّح المصدر القانوني أن يكون الحكم مثلاً إلزام اسرائيل بوقف الحرب أو تعويضات مالية معيّنة.

لا شك في أن أحد قضاة المحكمة هو القاضي اللبناني نواف سلام الذي شغل منصب سفير ومندوب دائم للبنان في الأمم المتحدة من العام 2007 إلى 2017. وقد عمل محاضراً في جامعة “السوربون”، وباحثاً زائراً في مركز “ويذرهيد” للعلاقات الدولية في جامعة “هارفرد”، إلى جانب ممارسته مهنة المحاماة. وشارك في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في قضية اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري. كما ثابر على الدفاع عن الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني بما فيها حق تقرير المصير وإقامة دولة فلسطينية مستقلة. إلا أن المصدر القانوني اللبناني لا يعتبر أن سلام يمثّل لبنان في هذه المحكمة، علماً أن وجود القضاة فيها يحصل مداورة، ولبنان عضو في الأمم المتحدة، وحجم الموضوع أنه قاضٍ لبناني، وهذا أمر جيد.

وقد نُشِرَ خبر منذ يومين مفاده أن المحامي اللبناني إميل عون سينضمّ قريباً إلى الفريق القانوني لمحامي جنوب افريقيا في دعواها المقامة أمام المحكمة، إلا أن أي بيان لم يصدر من عون ينفي هذا الخبر أو يؤكّده، علماً أن في العمق لا علاقة للبنان كدولة بهذه الدعوى والمحكمة، فطرفا النزاع هما جنوب افريقيا واسرائيل.

شارك المقال