قضية انفجار المرفأ تابع… استرداد مذكرات التوقيف في ظل تجميد الملف

محمد شمس الدين

في قرار وصف بالمفاجئ، أصدر المحامي العام التمييزي، المدعي العام العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت، القاضي صبّوح سليمان، قراراً قضى باسترداد مذكرة التوقيف الغيابية التي أصدرها المحقق العدلي في قضية انفجار المرفأ، القاضي طارق البيطار، بحقّ وزير الأشغال العامة السابق يوسف فنيانوس في 16 أيلول 2021. وعلى عكس التوقعات أثار القرار جدلاً محدوداً في الرأي العام اللبناني، ولعل السبب يعود إلى ما حصل منذ نحو سنة عندما أقدم القاضي البيطار على اجتهاد قانوني حاول فيه استعادة دوره على الرغم من قضايا الرد بحقه، وقد تسبب حينها بجدل كبير وانقسام في الأوساط القضائية، ما دفع النيابة العامة التمييزية الى التدخل، وتثبيت تجميد تحركات القاضي البيطار حتى يبت بدعوى الرد، فيما بقيت مذكرات التوقيف التي أصدرها عالقة، إلى ما قبل يومين عندما تم استرداد المذكرة بحق الوزير فنيانوس.

معلومات قضائية أشارت إلى أن القاضي سليمان استند إلى مجموعة من المواد القانونية، إذ اعتبر أن المادة 363 من أصول جزائية تنص على أن “المحقق العدلي يطبق الأصول المتبعة أمام قاضي التحقيق، وللنائب العام التمييزي، بصفته نائباً عاماً عدلياً، أن يطلع على ملف الدعوى وأن يبدي ما يراه من مطالعة أو طلب”. وأوضح أن “البيطار خالف المادة 73 من أصول جزائية، التي تعطي وكيل المدعى عليه الحق بأن يدلي لمرة واحدة قبل الاستجواب بدفع شكلي من الدفوع المعددة فيها من دون حضور موكله”. كما “خالف المادة 363 أصول جزائية بعدم استطلاع رأي النيابة العامة التمييزية في الدفع الشكلي وخالف مقتضيات البند الثالث من المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية”.

وأشار مصدر قضائي لموقع “لبنان الكبير” إلى أن “القاضي البيطار مجمد عمله قهرياً، بقوة القانون، باعتبار أن هناك طلبات رد بحقه، وعندما يجمّد قاضٍ عن العمل، وهناك ملف عالق، وعملاً بمبدأ عدم الفراغ، وعدم وضع الملفات في الدرج، خصوصاً إذا كان فيها موقوفون، هناك نظرية تقول إن النيابة العامة يجب أن تتصدى للملف حفاظاً على الحريات العامة، لأنه قد يكون هناك موقوفون محتجزون أو مذكرات توقيف معممة لا بد من معالجتها”.

أضاف المصدر: “السؤال هنا، إذا كان الملف مجمداً وهناك ملفات توقيف عالقة، والقاضي الناظر بالملف لا يمكنه النظر به، لأن يده مكفوفة بقوة القانون، فلمن تعود الصلاحية ببت الأمر؟ هل يبقى الملف مجمداً؟ كلا، لا بد من سلطة تبت بالملف، وهذه قاعدة لا استثناء، لا يمكن القول ان لا سلطة تبت بالملف وهناك موقوفون أو مذكرات توقيف، لمن يلجأ المتضرر؟ عملاً بهذا المبدأ الذي استند إليه مدعي عام التمييز القاضي غسان عوديات سابقاً، ليقول إن الملف مجمد وأنا كنيابة عامة تمييزية، أعلى سلطة جزائية في البلد، لي الحق أن أتصدى لكل الملفات الجزائية التي لا مرجعية قضائية لها، مثل ملف التحقيق في انفجار المرفأ، وبالتالي للقيام بالواجب القانوني المناسب”.

ولفت المصدر الى أن “النيابة العامة التمييزة التي تمثل دعاوى الحق العام في المجلس العدلي، والمشرفة على تنفيذ مذكرات التوقيف أو ابقائها أو رفعها، تقدم أمامها طلب من محامي المتضرر من مذكرات التوقيف، وفي ظل غياب القاضي البيطار، وعدم وجود قاضٍ رديف، اعتبرت نفسها تملك الصلاحية لملء الفراغ المتأتي من كثرة الطلبات بحق المحقق العدلي، وأصدرت قرارها”.

وأكد المصدر أن “هذا القرار سببه غياب القاضي الأصيل، وعندما يعود القاضي البيطار إلى منصبه، أو يتم تعيين قاضٍ رديف، تسترد الصلاحية للأصيل، كون النيابة العامة تمارس دورها كسلطة بديلة، وعند تعيين الأصيل، النيابة العامة تلقائياً ستحترم ممارسة القاضي الأصيل، وتتراجع إلى الخلف، وتفسح المجال للمحقق العدلي أن يقوم بدوره كاملاً، ومن ضمنه إصدار المذكرات أو رفعها”.

ويتوقع أن يقدم الملاحقون الآخرون من القاضي البيطار على الخطة نفسها التي قام بها فنيانوس، إلا أن مصادر قضائية أوضحت لـ “لبنان الكبير” أن “الأمر هو إجراء قانوني عادي، ولا يعني براءتهم ولا يعني إدانة النيابة العامة، إنما بسبب الوضع غير الطبيعي للقضية، من الطبيعي أن لا تترك النيابة العامة الملف عالقاً بهذه الطريقة، وعندما يبت بطلبات الرد، إن أفضت إلى إزاحة القاضي البيطار أو تعيين قاضٍ آخر، يمكن عندها إصدار مذكرات توقيف جديدة”.

ويتوقع أن يقدم أهالي الضحايا طعناً بقرار القاضي صبوح سليمان، إلا أن قبول الطعن أو رفضه لا جدوى منه فعلياً، فالمذكرات لا يمكن تنفيذها أصلاً في هذه المرحلة، بعد اعتبار خطوات القاضي البيطار غير قانونية، ولها قيمة معنوية في هذه المرحلة لا أكثر، وإلى حين البت بمصيره، والذي يبدو أنه تسبب في خلافات وانقسامات داخل الجسم القضائي، لا سيما مع التدخل السياسي النافر، لا يبدو أن البت بالملف سيكون في المدى المنظور، ولعل الأمر قد يتحرك مجدداً بعد نهاية ولاية القاضي عويدات الشهر المقبل، ولكن لا ضمانة بأن يتم حله.

شارك المقال