سنتان على غياب سعد الحريري… حسابات الربح والخسارة!

ياسين شبلي
ياسين شبلي

تحل الذكرى الثانية لتعليق الرئيس سعد الحريري عمله السياسي في 24 كانون الثاني من العام 2022 والحال هو الحال، سواء على المستوى الوطني العام الذي إستمر على تدحرجه في طريق جهنم الطويل، أو على المستوى السياسي لكل حزب من الأحزاب السياسية العاملة في البلد التي لم تقدِّم أي جديد يذكر على الساحتين السياسية والوطنية طوال العامين الماضيين سوى إجترار كل منها شعاراتها، التي باتت ممجوجة ومملة وغير ذات معنى، وكأني بها تساوت بالغياب الفعلي مع تيار “المستقبل” وذلك على الرغم من كل التطورات التي حصلت طوال العامين ومن أبرزها الانتخابات النيابية عام 2022. ووضع البعض من هذه الأحزاب والفرقاء كل آماله على هذه الانتخابات، سواء عن أمل حقيقي وحلم رومانسي بالتغيير، أو عن تدليس وإيهام للرأي العام وتضليله بأن الحل يكمن فيها، طمعاً ببعض مقاعد نيابية يستخدمها في صراعاته الداخلية ضمن الطائفة الواحدة، وليس للصالح الوطني العام للأسف.

من هذا المنطلق، يمكن القول بأن سعد الحريري كشخص وتيار “المستقبل” كتنظيم ، لم يخسرا الشيء الكثير عملياً من تعليق العمل السياسي، بل يمكن القول انهما “كسبا” نفسيهما على الأقل أو لنقل انهما أقل الخاسرين في ظل هذا الفشل العام، في مفارقة عجيبة غريبة من غرائب السياسة اللبنانية، عندما يتحول الفشل العام كسباً خاصاً لمن يبتعد عن الساحة، حين تتحول هذه الساحة إلى نوع من أنواع العبث السياسي والوطني للأسف الشديد.

لقد أثبتت الأيام على مدى العامين الماضيين، بأن خطوة سعد الحريري بالابتعاد عن الساحة السياسية إنما كانت “ضربة معلم” في الاتجاه الصحيح وفي الوقت المناسب، ولم تكن هروباً من المسؤولية كما حاول تفسيرها بعض المبغضين، وهو الذي تحمل الكثير بالشخصي والعام جراء تحمله المسؤولية في أصعب الظروف والمواقف، ولا فشلاً شخصياً في قيادة الطائفة والبلد كما صوّرها البعض الآخر من الحاسدين أو “الأصدقاء اللدودين”، الذين لم يكونوا يفوتوا أي فرصة لمحاولة النيل من سعد الحريري وسياسته المعتدلة عبر تصويره بصورة المتخاذل والضعيف أمام خصومه السياسيين، والذين بلعوا بعدها “ألسنتهم” في مواجهة من خَلَفه في سدة المسؤولية، وكأن المطلوب كان – وبدفع خارجي شبه أكيد – فقط دفع سعد الحريري إلى ترك الساحة في محاولة لـ “إغتياله” سياسياً، فجاءت الانتخابات التي بنوا عليها آمالهم في وراثته، لتكشف وهم رهاناتهم ولتعرِّي زيف إدعاءاتهم ضده، عندما سعى كل منهم إلى خوض معركته الشخصية لا معركة الطائفة أو الوطن، ولينتهي بهم المطاف في أحسن الأحوال أن يتحوَّل بعضهم إلى “شيخ حارة”، يكتفي بتأدية واجب تعزية من هنا وتهنئة من هناك، بعرس أو إنجاز لا يعرف عن صاحبه شيء بل للقول فقط بأنه موجود. أما بعضهم الآخر فتحوّل إلى ملحق بآخرين وبوق لهم، يردِّد ما يقولون كالببغاء بإسم السيادة والاستقلال، من دون أي ممارسة فعلية أو واقعية يمكن أن تساهم في تغيير الواقع، كمثل أن تمنع شغوراً في سدة الرئاسة والمواقع الأساسية في الدولة، أو أن تساهم في إجتراح حلول واقعية تخفِّف من وطأة تغوُّل الدويلة على الدولة.

وكما على المستوى الطائفي، كذلك على المستوى العائلي الذي تنطح البعض الأقرب منها لمحاولة وراثة الأصيل، فكانت محاولات صبيانية كاريكاتورية بلهاء، نصيبها الفشل الذريع سواء على المستوى السياسي أو الاعلامي أو الاجتماعي، وما ذلك إلا لأنها نابعة من ضغينة شخصية وتضخم الأنا، وليست نابعة من رغبة حقيقية في الخدمة العامة سواء للناس أو للوطن، وهو ما أفقدها مشروعيتها التي لا يمكن أن تُكتسب بالمال والاعلام فقط، خصوصاً عندما تدار من أناس وصوليين قناصي فرص وإصطياد في الماء العكر، بعيدين كل البعد عن نبض الناس في الشارع، وفاقدي الخبرة في التعامل مع معطيات السياسة اللبنانية.

في البعد الوطني العام أيضاً كان تعليق سعد الحريري وتياره العمل السياسي، فرصة وتحدياً لتيار “الثورة” والتغيير للتعبير عن أنفسهم، خصوصاً وأن الانتخابات كانت على الأبواب، نجح البعض منهم في إقتناص الفرصة والوصول إلى المجلس النيابي على متن “المقاطعة” الحريرية، لكنهم فشلوا في تحدي الممارسة التي كان أكثرها إستعراضياً، وبعضها تائهاً ومشتتاً ما بين تيارات مختلفة تتراوح ما بين أقصى اليمين التقليدي، إلى أقصى اليسار وتيار الممانعة لدى البعض، فغابت الثورة والتغيير وبقيت الشعارات عنواناً بلا مضمون حقيقي. وهنا بدا وكأن المصالح قد تقاطعت في مكان ما، ما بين بعض الجو الطائفي السني، وبعض الجو “التغييري” على إبعاد سعد الحريري عن الساحة السياسية، لتستبدله الثورة عبر إستكانتها بحسان دياب بدايةً، ومن ثم الثورة والطائفة بنجيب ميقاتي، الذي تماهى مؤخراً وتحت ذريعة الحرب في المنطقة مع مشروع “وحدة الساحات” حد إلغاء الخيط الرفيع الذي كان لا يزال يفصل موقف الدولة عن موقف “حزب الله” من التطورات، مع ما يحمله هذا الموقف من خطورة على لبنان أقله في حرمان الدولة من اللعب على هذا الخط الفاصل بين الموقفين، حماية للبنان في مواجهة ضغوط المجتمع الدولي لتطبيق كامل للقرار 1701، في ظل التطورات في الجنوب على خلفية الحرب في غزة.

هكذا يبدو واضحاً وبعد عامين من تعليق الحريري عمله السياسي، أن البلد ليس على ما يرام كما قبل التعليق، وأن غياب الحريري عن الساحة غيَّب معه المبادرات، فالرجل بشهادة الخصوم والأعداء قبل الحلفاء والأصدقاء – على قلتهم وقت الملمات – كان رجل مبادرات يسعى دائماً الى ملاقاة الجميع في وسط الطريق ولو على حسابه، محاولاً إيجاد حلول ممكنة للقضايا المطروحة كافة، لكنه دائماً كان يواجَه بالصد تارة، والتشكيك حد “التخوين” تارة أخرى، من دون أي مبادرات مقابلة سوى التعطيل ووضع العصي في دواليب الحلول الممكنة، حتى طفح الكيل وفاض، فكان تعليق العمل السياسي عندما لم يعد هناك من مجال لممارسة السياسة بمعناها الحقيقي والأخلاقي، وهو فن قيادة الناس والبلاد نحو الأفضل.

قد يكون الأمر السلبي الوحيد حتى الآن في تعليق العمل السياسي منذ عامين وحتى اليوم، هو غياب أي تحرك – في العلن على الأقل – على مستوى التيار لاعادة تفعيله وتنقيته بعد كل هذه التطورات، ومحاولة إعادة بنائه على الأسس الوطنية الشاملة غير الطائفية والمذهبية، لاعادة إستيعاب كل اللبنانيين كما أراده ووضع أسسه الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وذلك عبر العقلانية البعيدة كل البعد عن المد العاطفي الذي تلا إستشهاد الرئيس الحريري، الذي حتَّم عليه إستيعاب الكثير من الناس الذين لم يكن بعضهم للأسف أوفياء للنهج والتاريخ والمسيرة التي تعمدت بدم الشهيد الرفيق، وعرق الرئيس سعد الحريري ودمعه وتضحياته، فاتخذوا منه وسيلة للظهور والمنفعة الشخصية.

لا ندَّعي شخصياً ولا نتبنى إعطاء الموعظة ولا الحكمة ولا المعرفة بأمور التيار الداخلية، إنما نقول هذا من موقع المواطن المراقب الحريص على تجربة ومسيرة كان لها الأثر الطيب في حياة هذا البلد، الذي فقد بغياب الرئيس الشهيد رفيق الحريري، أمنه وإستقراره وتقدمه الذي نتمنى أن يُستعاد بهمة المخلصين والأوفياء للتجربة وللشهيد وعلى رأسهم الرئيس سعد الحريري، فهل نحلم بالكثير؟

شارك المقال