ماذا لو كان ترامب رئيساً في زمن الطوفان؟

محمد شمس الدين

منذ أن بدأ يظهر إلى العلن تباين أميركي – اسرائيلي حول الحرب في غزة ونهايتها وما يعرف بـ “اليوم التالي”، انتشرت التحليلات حول ما سيقوم به رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو حيال هذا الأمر، علماً أن التباين لم يوقف الدعم ولا الغطاء الأميركي لاسرائيل، وقد برز مؤخراً تحليل يقول إن نتنياهو سيطيل أمد الحرب حتى الانتخابات الأميركية، علّ الرئيس السابق دونالد ترامب يربح فيها، وهو الذي كان صارماً في تعاطيه مع إيران ومنحازاً إلى اسرائيل، فهل تستمر الحرب حتى الانتخابات الأميركية؟ وهل كان وجه الحرب سيختلف لو كان ترامب رئيساً؟

عوامل عدة يجب القراءة فيها أولاً، ترامب راعي “صفقة القرن” التي اعتبرت تصفية للقضية الفلسطينية، قدم ما لم يقدمه أي رئيس أميركي آخر لنتنياهو، عبر اعترافه بالقدس عاصمة لاسرائيل ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى المدينة المقدسة، وكذلك اعترافه بسيادة اسرائيل على الجولان السوري، كما أغلق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وأوقف اعتبار الاستيطان مخالفة للقانون الدولي.

ترامب لديه مصالح مع روسيا لدرجة أنه كاد أن يتهم بالعمالة لها، وهو حالياً يتوعد في حملته الانتخابية بوقف الدعم لأوكرانيا.

سياسة ترامب تجاه ايران عدائية بصورة كبيرة، وقد اغتال قائد “فيلق القدس” في الحرس الثوري الايراني قاسم سليماني، وزعيم الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس في بغداد.

سياسة ترامب تجاه أوروبا والدول العربية كانت ابتزازية بامتياز، بعنوان “الحماية مقابل الدفع”.

لهذه الأسباب وغيرها، بالتأكيد سيختلف المشهد لو أن ترامب كان رئيساً في زمن “الطوفان”، وربما وصل إلى حرب شملت لبنان واليمن والعراق.

مع استثناء سوريا التي تعتبر الحصة الروسية، ولكن في حال وصول ترامب إلى الرئاسة اليوم لن يستطيع اتباع السياسات السابقة نفسها مع الدول العربية، فالاتفاق السعودي – الايراني شكل نقطة تحول في السياسات العربية، وأظهر استعدادها للتوجه شرقاً في حال كانت السياسات الأميركية تجاهها ابتزازية أو عدائية، لا سيما أن عدة دول على رأسها السعودية تدرس الانضمام الى مجموعة دول البريكس.

أما من جهة الدول الأوروبية فقد تدفعها السياسات الترامبية الى الارتماء في الحضن الصيني، الذي أظهر قدرة على دوزنة الخطوات الروسية.

وعلى الرغم من كل التغيرات في العالم يبقى السؤال: هل يراهن نتنياهو على عودة ترامب؟

الأمين العام السابق لوزارة الخارجية الايطالية ورئيس المعهد الايطالي للدراسات السياسة الدولية (ISPI)، جامبييرو ماسّولو رأى أن نتنياهو “يندرج بين أولئك الذين يأملون في فوز الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بسبب العلاقة الشخصية بين الاثنين”.

وأشار في مقابلة صحافية إلى أن نتنياهو “يرى أن الضغط الأميركي على الشرق الأوسط قد يكون أقل، سواء أكان في احتواء الاجراءات التي تُقدم عليها إسرائيل أم من ناحية مستقبل قطاع غزّة ومنظور حل الدولتين، وهذا ما يراهن عليه نتنياهو”.

ولفت ماسّولو إلى أن “ترامب قد يكون هناك تأثير له على إيران أيضاً”. وتابع: “مع بايدن، نحن نسير على خط رفيع للغاية”، يتمثل في “إيقاف طهران لتجنب مزيد من زعزعة الاستقرار وإضفاء طابع إقليمي على الصراع”، لكن “في الوقت نفسه عدم تفاقم التوتر مع إيران وردود أفعالها”.

وخلص السفير الأسبق، الى أن “هذا الخط الدقيق للغاية، يمكن لترامب أن يتعامل معه بسهولة أكبر، ما قد يؤدي إلى تفاقم التوتر بصورة أكبر”.

أستاذ العلاقات الدولية في جامعة باريس د. خطار أبو دياب قال في حديث لموقع “لبنان الكبير”: “في السنة الانتخابية الأميركية دوماً يكون هناك وضع غير مستقر مايع، ويمكن اللعب على هذه الميوعة، ولكن ليس بالضرورة بانتظار فلان، لا أحد يستطيع أن يلعب هذه اللعبة، لأنه سيدفع الثمن، في حال ربح ترامب أو بايدن، بالاضافة إلى ذلك، مهما كان لشخص ما تأثير معين على السياسات، إلا أن أميركا بلد قائم على المؤسسات، والدولة العميقة فيها هي إلى جانب اسرائيل”.

وعن وعود ترامب الانتخابية، اعتبر دياب أن الوعود شيء وامكان تنفيذها شيء آخر، “بايدن أتى على مبدأ لا حرب، فانسحب بسرعة من أفغانستان، فزحفت روسيا باتجاه أوكرانيا، وزحفت حماس باتجاه اسرائيل، تورط بايدن، ولذلك الوعود تختلف عن الحسابات، وبايدن يحاول اليوم منع توسع الحرب، كي يفي بوعوده، وحتى ترامب الذي يجاهر بعدم رغبته في محاربة بوتين، إذا اتجه الأخير لاسقاط الحكم في أوكرانيا، سيجبر ترامب على مواجهته، هذه مواضيع تتخطى قرار الشخص في أميركا، فهناك مؤسسات صناعة القرار في النهاية، حتى عندما يريد أي رئيس إعلان الحرب، يحتاج إلى تغطية من الكونغرس، ولا يمكن الانخراط في توجهات بهذه السهولة”.

ورأى أبو دياب أن “التباين بين أميركا واسرائيل محدود، ولا يمكن البناء عليه لانهاء الحرب، لا سيما أن اسرائيل تعتبر أن ما حصل في 7 تشرين الأول، تهديد لوجودها، ولن توقف الحرب لأنها تعتبر الأمر استسلاماً”.

المحلل السياسي سيمون أبو فاضل رجح في حديث لموقع “لبنان الكبير” ألا تمتد الحرب الى الانتخابات الأميركية، “أميركا محرجة في أن تطول الحرب في سنة انتخابات، ولبنان والمنطقة لا يتحملان إطالتها”.

ولفت أبو فاضل إلى أن الحرب تطول اليوم لأن “هناك قناعة لدى الاسرائيليين بوجوب تصفية حماس، وهو أمر عقائدي وأمني لديهم، لا يستطيعون تحمل أن تشكل تهديداً جديداً، وكذلك لا يتحملون وجود حزب الله على تخومهم، ولن يقبلوا العيش في فوبيا أن الحزب بين لحظة وأخرى قد يهجم عليهم، ولا أنه مسيطر على المنطقة التي يعيش في محيطها 200 ألف اسرائيلي، والمطلوب حل، قد يكون 1701، أو تسوية جديدة”.

وشدد على أن “لا أحد يمكنه تحمل مدة الحرب الطويلة، لا سيما نتنياهو”، معتبراً أن “ترامب لو كان موجوداً لاختلفت الأمور تجاه الخليج وغزة ولبنان، فهو ميال أكثر الى المواجهة مع ايران، بينما بايدن يقول للايرانيين أبرموا معي صفقة قبل مجيء ترامب، علماً أنه لا يستطيع تقديم هذه التسوية”.

الباحث في الشؤون السياسية د.رضوان قاسم رأى “أننا نتوهم بتحليلات لنقنع أنفسنا كي لا نواجه الحقيقة، التي تقول ان نتنياهو يطيل أمد الحرب، من أجل مصلحته، كي لا يدخل السجن، ولكن الواقع هو اتفاق أميركي – اسرائيلي لتوسيع رقعة الحرب وانهاء القضية الفلسطينية، وقد بدأ الحديث مع الدول الأوروبية وأميركا حول انشاء الوطن البديل، إلا أن مصر والأردن يرفضان اقامة هذا الوطن في سيناء، ولذلك يجري البحث حالياً عن جزيرة في مكان ما في العالم، قد يكون في البحر المتوسط أو إفريقيا، كي يتم ترحيل الفلسطينيين إليها، بالاضافة إلى ذلك أستراليا وكندا فتحتا باب الهجرة للفلسطينيين، مع محفزات مالية واجراءات لاغرائهم”.

واعتبر قاسم أن “المروع القائم هو الوطن البديل، ونتنياهو لديه فرصة لا تتحرر اليوم لانشاء الوطن اليهودي الكامل للكيان الصهيوني، ووجود جو بايدن يساهم في هذا الأمر، فهو لديه مصالح خاصة به أيضاً، مثل التخلي عن أوكرانيا، وعدم ترك الحكم في بلده، لأن أميركا اذا كانت في حالة حرب لا يستطيع الرئيس الخروج من البيت الأبيض، فلذلك الاتفاق واضح أن التصعيد سيد الموقف”.

وأكد أن العالم متجه نحو تصعيد دولي، ومظاهره واضحة في الشرق الأوسط ودول أوروبية وحلف الناتو، مشيراً الى أن “سياسة ترامب مختلفة تماماً، وبالعكس لن تكون لمصلحة نتنياهو، فبعد دعم اسرائيل لأوكرانيا، الانشقاق أصبح واضحاً بين السياسات الترامبية والكيان الاسرائيلي، وسيكون ترامب السبب في تفكيك الاتحاد الاوروبي وحلف الناتو، والرعب ينتاب الدول الأوروبية خوفاً من وصوله إلى الحكم”.

الزمان والمكان يحكمان السياسات الخارجية للدول، وما كان يصح بالأمس لا يصح غداً، وعلى الرغم من أن ترامب يمكن اعتباره من خارج المنظومة المؤسساتية للدولة العميقة في بلاده، إلا أنه حتى إبان فترة حكمه لم يستطع التصرف بحرية كما أراد، ولكن بالتأكيد كان سيكون أكثر تشدداً حيال غزة من بايدن.

شارك المقال