تاريخ من مخالفات القانون… الكارتيلات تعد الموازنات

محمد شمس الدين

انتهت جلسات مناقشة الموازنة بعد “نشر عرض” بنودها على مسامع العالم، إلا أن غالبية من صوّتوا عليها بالقبول وعلى الرغم من اعتراضاتها سارت بعنوان واحد “أفضل الممكن”، وبالتأكيد هذه ليست المرة الأولى التي يسمع فيها اللبنانيون هذا التعبير لا سيما في الموازنة، فيكف يمكن وصف تاريخ الموازنات في لبنان؟

الباحثة في القانون المالي الدولي والجرائم المالية محاسن مرسل أشارت في حديث لموقع “لبنان الكبير” إلى أن لبنان، بعد الحرب الأهلية، أقر موازنات من دون رؤية اقتصادية، “ولدينا دائماً عجوزات كبيرة، وتلجأ السلطة الى السلف إذا لم ترد أن تفتح اعتمادات، لا تجري قطع حساب وهذه اشكالية كبرى ومخالفة دستورية، نحشو الموازنة بالضرائب، وهو أمر مخالف للدستور لأن أي خطوة تؤثر على الواقع الاجتماعي للفرد أو قدرته الشرائية يجب أن تصدر بقانون”.

ولفتت إلى أن لبنان يعاني من عدم انتظام المالية العامة، وتكون الموازنات دائماً لتمويل النفقات الجارية، بينما الاستثمارية لم تتخطَ 5 إلى 10 بالمئة فيها.

أما مدير مكتب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الانسان في بيروت محمد المغبط، فأكد لـ “لبنان الكبير” أن كل الموازنات منذ العام 1993 حتى العام 2020، غير مصادق عليها من ديوان المحاسبة، وهذه مخالفة قانونية لقانون المحاسبة العمومية، وتعني أن الحسابات واليبانات المالية الموجودة في وزارة المال غير نهائية، “فكيف نعرف ما هو الصحيح وغير الصحيح؟ وإن كانت هناك مخالفات كيف يتم كشفها؟ والمضحك أن ديوان المحاسبة عندما أراد عام 2017 القيام بتقريره كشف عن غرفة مخفية في وزارة المالية بوثائق وأوراق لا أحد يعلم بها”.

أضاف المغبط: “منذ 2005 وحتى 2017 لم تكن هناك موازنة، وكان الصرف يجري على القاعدة الاثني عشرية، التي هي في الأساس وضعت فقط في حال تأخرت الحكومة في المهلة حتى شهر كانون الثاني، بحيث يتم الصرف وفقها إلى حين الانتهاء من الموازنة، ويجب أن يتم تقديم قانون كل شهر. هم يخرجون بقوانين تخالف الانتظام المالي العام، والذي تسعى الى حمايته المواد 85 و87، ومنذ العام 2017 إلى اليوم لا قطع حساب، بل ان آخر قطع حساب قاموا به منذ العام 2004، وهناك مخالفة للمهل الدستورية والقانونية، ولم تحصل الموازنة مرة في وقتها، أي قبل الدورة العادية لمجلس النواب، وهذا الالتزام مهم جداً لأنه يكون التزاماً بمبدأ دستوري عام هو انتظام المالية العامة، الذي إن لم يحصل لا يمكن بناء اقتصاد، ولا يمكن وضع سياسة تنموية مستدامة للدولة في الانفاق والجباية، وحتى لو كانت لدينا موازنة رائعة ولا نحترم المهل، ستعوق الأهداف المحددة ضمن مهلة معينة”.

وأشار المغبط الى أن “مخالفة القانون هي بالشكل قبل المضمون الاقتصادي والمالي، وهذه المخالفة بالشكل ستنعكس سلباً على الاقتصاد”.

الخبير المالي والاقتصادي د. عماد عكوش لفت في حديث لموقع “لبنان الكبير” إلى أن “لبنان لم يقر مرة موازنة بمعنى الموازنة، يعني ضمن رؤية واضحة، من ضمن خطة كاملة، هذا الأمر لم يوجد يوماً في لبنان، كل المؤسسات والحكومات والسلطات التي حكمت البلد، لم تكن لديها رؤية لا سياسية ولا اقتصادية، وكانت تعمل وفق كل يوم بيومه، وهذه اللارؤية ستنعكس على الموازنات”.

وتساءل عكوش: “من دون رؤية على أي أساس ستشتغل؟”، مستهجناً “أننا وصلنا إلى مكان أفدح من انعدام الرؤية، بل ان الأرقام حتى غير صحيحة، الجمارك تقول شيئاً، وزير المال يقول شيئاً، الوزارات تقول شيئاً، والمؤسسات تقول شيئاً آخر، يعني حتى على الأرقام هناك اختلاف علماً أن هذه الأرقام مفترض أن تكون قادمة من هذه المؤسسات”.

وأكد عكوش أن الأمور واضحة اليوم، “لا قطع حساب لا عام 2022، ولا 2023، ولا محاسبة، من الطبيعي أن تعتمد السلطة على تقديرات غير صحيحة، والموازنة المطروحة حملوا فيها الضرائب للطبقة الفقيرة، وألغوا المواد التي تطال الطبقة الغنية، كالأرباح على عمليات صيرفة التي قامت بها المؤسسات والشركات، وكذلك الضريبة على الشركات التي استفادت من قروض الدعم، أو مثل الرسوم على الأملاك البحرية التي من المفترض أن تكون عادلة وهي ليست كذلك، ألغوا كل ذلك وحمّلوا الرسوم للفقراء بـ 20 و30 ضعفاً، بينما زادوا الرواتب بأقصى حد 7 أضعاف”.

واعتبر أن الواقع اللبناني “الحاكم فيه هو الكارتيلات، وهي ممثلة في الحكومات، وقد رأينا كيف هبت الهيئات الاقتصادية ورفضت بعض الرسوم والضرائب، وهذه الكارتيلات لديها دور أساسي في إعداد الموازنات، وفرض الضرائب، بل في القوانين، الكلمة الأساس لها”.

شارك المقال