ماذا بعد قرار “العدل الدولية”؟

محمد شمس الدين

“على اسرائيل اتخاذ التدابير كافة لمنع ارتكاب أعمال الابادة الجماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، ومحاسبة مرتكبيها، وتحسين الوضع الإنساني في غزة”، هذا هو فحوى قرار محكمة العدل الدولية في الدعوى التي قدمتها دولة جنوب إفريقيا.

القرار لقي ترحيباً من معظم الدول، بينما نددت به اسرائيل، وعلى الرغم من ذلك اعتبره الكثيرون منقوصاً، لعدم تضمينه نصاً يدعو بصورة صريحة الى وقف إطلاق النار، بينما رأى آخرون أن المقررات التي صدرت عن المحكمة تحتاج إلى وقف لاطلاق النار كي تنفذ.

خبير العلاقات الدولية د. علي حمود يشرح لـ “لبنان الكبير” عن قرارات المحكمة، بأن “لا آلية تنفيذ لديها، إلا أنها يمكنها اتخاذ قرار بوقف اطلاق النار، وهو قرار ملزم، ويتم عندها رفعه إلى مجلس الأمن، وهناك يتم تحذير اسرائيل في البداية، ولاحقاً تنفيذ القرار بالقوة، وفق مواد الفصل السابع في المجلس، كما حصل في حالة تشيكوسلوفاكيا أو رواندا”.

أما عن الطلب من اسرائيل تقديم تقرير خلال شهر، فيشير حمود الى أنه “شبيه بفكرة تقديم دفوعات في القضاء اللبناني، جنوب إفريقيا قدمت دعوى ضد اسرائيل تتهمها بارتكاب جرائم حرب، وقدمت دلائل بذلك، الآن اسرائيل ستقدم دلائلها وبعد دراسة كل الوثائق أمامها تصدر المحكمة حكمها النهائي الملزم، الذي يمكن رفعه إلى محكمة الجنايات الدولية بالاضافة إلى مجلس الأمن”، مشدداً على أهمية القرار النهائي للمحكمة، بحيث “يمكن عندها تحويل القضية إلى محكمة الجنايات الدولية، التي تلاحق أفراداً، كما يمكن محاكمة المسؤولين وعناصر الجيش الاسرائيليين”.

ويرى حمود أن القرار “تشويه لصورة الكيان الصهيوني من الناحية المعنوية، وسيستمر لأجيال، ويكون وصمة عار في تاريخه، فالقرار من أعلى محكمة في العالم، حتى أميركا ستكون محرجة بمحاولة نقضه”.

وفي أول تعليق لها على القرار، قالت الولايات المتحدة الأميركية، يوم الجمعة انه “يتسق مع رؤية واشنطن بأن إسرائيل لها الحق في اتخاذ إجراء وفقاً للقانون الدولي لضمان عدم تكرار هجوم السابع من تشرين الأول”.

الكلام يوحي بترحيب ضمني بالقرار، وسيعقد مجلس الأمن يوم الأربعاء المقبل جلسة لبحثه، الا أنه مثل كل القرارات التي يدرسها المجلس، سيكون خاضعاً لحق النقض “الفيتو” من احدى الدول الخمس دائمة العضوية، ونظراً الى الحالات السابقة، يرجح أن تستخدمه أميركا لحماية حليفتها اسرائيل، إلا أن أوساطاً ديبلوماسية رأت في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن “الولايات المتحدة، قد تسمح بمرور قرار بوقف إطلاق للنار، وهو أصلاً أمر تطلبه من اسرائيل منذ مدة، وتطالبها بشن عمليات أكثر دقة، بل حتى ان الموقفين الفرنسي والألماني تغيرا في الفترة الاخيرة، ما يوحي بتوجه آخر بشأن الحرب في غزة، الأمر الذي يسمح بتمرير قرار وقف لاطلاق النار، إلا أنها بالتأكيد ستمنع أي قرار قد يدين اسرائيل أو يمس بمسؤوليها، على الأقل في هذه المرحلة”.

تجدر الاشارة إلى أن اتهام “الابادة الجماعية” يصطدم بصعوبات في إثبات الجرائم، إذ ان تعريف الأمم المتحدة لتلك الجريمة استند بصورة أساسية إلى “وجود النية” وضرورة أن يثبت المدعون تصرف المتهم بـ”قصد محدد” للقضاء على مجموعة بأكملها.

وهناك شعوب لم تستطع نيل الاعتراف بـ “الابادة” التي حصلت بحقها، مثل الأرمن الذين يتهمون الدولة العثمانية بابادتهم، والهيريرو (شعب نامبيا) الذين يتهمون أمانيا القيصرية بابادتهم. في المقابل، ثبتت التهم بالابادة في البوسنة والهرسك، رواندا وكمبوديا، ولا تزال قضية اقليم دارفور أمام “الجنائية الدولية” وتتم ملاحقة المسؤولين في نظام عمر البشير.

شارك المقال