واشنطن هددت فقط… فتراجعت الميليشيات الايرانية!

جورج حايك
جورج حايك

دبّ الخوف في مفاصل النظام الايراني بمجرد تهديد الولايات المتحدة الأميركية بالردّ القويّ بعد اعتداء الميليشيات الايرانية في العراق وسوريا على قاعدة عسكرية أميركية في الأردن، لكن الردّ لم يأتِ حتى الآن، وعلى الرغم من ذلك لاحظ المراقبون تراجعاً في لهجة الميليشيات الايرانية بل حتى استعداد “حزب الله” العراقي لوقف عملياته ضد الأميركيين، وإتخاذ إيران تدابير في سحب ضباطها من سوريا خوفاً من استهداف كبير لقواعدها العسكرية هناك.

إذاً المسالة ليست مزحة، وعلى الرغم من أن إدارة الرئيس جو بايدن تتجه إلى رد “محسوب” أي متوازن على نحو لا يؤدي إلى توسّع الحرب وتوريط الجيش الأميركي بمواجهة كبيرة مع إيران، نظراً إلى أن الولايات المتحدة دخلت في سنة انتخابية صعبة ومن مصلحة بايدن أن لا تكون لديه مشكلات وأزمات تخفف من حظوظه الانتخابية، لكن لا يختلف إثنان على أن ضغوط الحزب الجمهوري على إدارة بايدن قوية جداً، وهي تُطالب بردّ غير مسبوق على إيران وميليشياتها، وخصوصاً أن الضربة التي استهدفت القاعدة الأميركية في الأردن أسفرت عن مقتل جنود أميركيين وعشرات الجرحى.

وهناك من يعتبر أن الحروب تبدأ أحياناً من “غلطة”، فالميليشيات العراقية والسورية التابعة لايران إعتادت استهداف القواعد الأميركية المنتشرة في المنطقة، وكانت دفاعات الأخيرة تتعامل معها بصورة مناسبة من دون أضرار جسيمة، وربما هذا ما اعتقدته هذه الميليشيات، إلا أنه “مش كل مرة تسلم الجرة”، ويبدو أن الأميركيين اعتقدوا المسيّرة صديقة، فأكملت طريقها وحصل ما حصل، علماً أن هذا ما إعترف به الأميركيون أنفسهم.

لا شك في أن ايران وميليشياتها كانت “تلعب” على حافة الهاوية، وإنزلقت هذه المرة إلى المحظور، والادارة الأميركية “المُحرجة” لا يمكنها البقاء من دون رد، لذلك تتهيّب إيران الموقف، وتحاول لملمة الموضوع والتخفيف من وطأة الرد، من خلال بيانات ميليشياتها وإعادة إنتشارها من بعض المواقع في سوريا.

مع ذلك، يبدو أن الرد الأميركي تأخر قليلاً، ويرى الكاتب والباحث في شؤون الأمن والدفاع رياض قهوجي أن هذا التأخير يعود لسببين: الأول استخباراتي لتحديد الأهداف التي سيتم ضربها، علماً أن الأميركيين يعرفون أن الميليشيات قامت بإخلاء بعض المراكز والمقرات، وهم يرصدونها، وخصوصاً أن الضربة لن تكون شكليّة إنما للتأديب الفعلي. أما السبب الثاني فيتعلق برداءة المناخ، على الرغم من أن الطائرات الحربية الأميركية قادرة على العمل في مثل هذه الأحوال الجوية، إلا أن الجيش الأميركي يفضّل تنفيذ العمليات في أحوال جويّة أفضل لتأمين أداء متكامل وإصابات أكثر دقة.

ليس معروفاً بعد ما إذا كانت الادارة الأميركية قررت ضرب العمق الايراني، وهذا موضوع جدلي حتماً، إلا أن أكثرية المراقبين ترجّح أن لا يكون الاستهداف في الداخل الايراني، على الرغم من مطالب الكثير من الدوائر الأميركية المؤيدة لتأديب إيران بطريقة ما. ويعتبر قهوجي أن القرار الأميركي الرسمي يميل إلى ضرب مصالح إيرانية خارج الأراضي الايرانية.

أما طبيعة الردّ الأميركي ودرجة قوته، فعبّر عنهما الأميركيون أنفسهم بأنهما ستكونان طوال أيام عدة، ويرى قهوجي أن الهدف سيكون تقليص قدرات الميليشيات الايرانية، كما يفعلون مع الحوثيين إنما على نطاق أوسع كتدمير مخازن أسلحة ومصانع تجميع الطائرات المسيّرة والصواريخ وغيرها، وسيتم استهداف قيادات ومقرات مهمة بعد رصدها بدقة.

واللافت أن “حزب الله” العراقي أعلن بعد التهديدات الأميركية وقف عملياته ضد القواعد العسكرية متذرعاً بأنه لا يريد إحراج الحكومة العراقية، وخصوصاً أن الادارة الأميركية تتهمه بأنه ضالع في الهجوم على القاعدة العسكرية في الأردن، وهذا نتيجة قرار ايراني يسعى إلى التأثير على القرار الأميركي بالرد، لكن قهوجي يؤكّد أن قرار العقاب إتّخذ مهما حاولت الميليشيات الايرانية التراجع، وهذا ما يعكس ضعفها، ويُثبت أن أي تحرّك أميركي عسكري جديّ يُقلق إيران وميليشياتها، فتركض لتخفيف حجم أي ضربة، علماً أن إيران نفسها عندما نفّذت حركة “حماس” عملية “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأول الفائت بعلمها، لم تكن تريد حرباً واسعة إنما مجرد الإبتزاز وتحقيق مكاسب لا أكثر ولا أقل.

ويُقلّل قهوجي من أهمية خطوة إيران بسحب بعض ضباطها العسكريين من سوريا، ويستبعد أن تتخلى عن وجودها في سوريا، وكل ما في الأمر أنها تخفّض عدد هؤلاء الضباط والخبراء العسكريين لأن اسرائيل تستهدفهم بسهولة، مُستغلّة أن إيران لا تريد حرباً واسعة، لذا تجدها اسرائيل فرصة لتقطف ما يُمكن أن تقطفه في هذا الوضع الملتبس، وقد نجحت في إغتيال رؤوس كبيرة من الحرس الثوري الايراني و”حزب الله”، وبالتالي يشعر الايراني أنه مكشوف في سوريا، ويرى مصلحته بتخفيف وجوده ليس إلا.

ويبقى السؤال: هل سينسحب تراجع عمليات الميليشيات الايرانية في العراق وسوريا على “حزب الله” اللبناني في الجنوب؟ يجيب قهوجي: “لا أرى أي رابط بين ما يحصل في العراق وسوريا ووضع حزب اله” في لبنان، لأن له بُعداً آخر بل معادلة مختلفة، ففي جنوب لبنان ليست الحرب مع الأميركي إنما مع الاسرائيلي، على الرغم من دور واشنطن في تجنّب توسيع الحرب، وهذا ما ينطبق أيضاً على الحوثيين الذين يعملون في نطاق البحر الأحمر وله حيثية خاصة مع أن مرجعية كل هذه الميليشيات هي إيران”.

تُعتبر مقاربة قهوجي منطقيّة، لأن “الحزب” نفسه أعلن أنه غير معني بقرار “حزب الله” العراقي، ويوضح قهوجي أن المعادلة هنا هي جنوب لبنان – غزة، وقد عملت إيران طوال أعوام لتفتح جبهتي جنوب اسرائيل وشمالها، لتضع اسرائيل داخل “سندويش”، إلا أننا نشهد إنهيار هذه الاستراتيجية لأن إيران تفقد الجبهة الجنوبية في غزة بعد تفكيك اسرائيل البنية التحتية العسكرية لـ”حماس” على نحو متدرّج، وتسعى اليوم إلى المحافظة على الجبهة الشمالية مع لبنان، ولسنا واثقين من أنها ستنجح في ذلك، لأن اسرائيل تطالب بإلحاح بتطبيق القرار 1701 وتراجع “الحزب” إلى ما وراء نهر الليطاني، وتلوّح بتوجيه ضربة عسكرية قاسية الى “الحزب” في حال عدم رضوخه.

في المحصّلة، لقد أسقطت حرب غزة سردية الممانعة كلها من وحدة الساحات الفاشلة إلى توازن الرعب وما بينهما أوهن من “بيت العنكبوت” ونظريتها بأنه لو لم تبادر إلى الحرب في 8 تشرين الأول الفائت لكانت بادرت اسرائيل ليست مقنعة بتاتاً، وحتى جمهور الممانعة يقول لها بالفم الملآن انها اخطأت وان موقفها كان أقوى بكثير لبنانياً وخارجياً لو انتظرت أن تبادر تل أبيب لا العكس.

شارك المقال