لبنان من “عناقيد الغضب” الى “طوفان الأقصى”

محمد شمس الدين

بدأت حرب “عناقيد الغضب” في 11 نيسان عام 1996، وادعت اسرائيل حينها أنها عمل وقائي وانتقامي لقصف “حزب الله”، الذي جرح ستة مدنيين إسرائيليينِ، من خلال اطلاقه 20 صاروخاً على المستوطنات الاسرائيلية في 30 آذار من ذلك العام رداً على مقتل مدنيين بقذيفة اسرائيلية، وفي 9 نيسان أطلق 30 صاروخاً نحو الشمال الفلسطيني المحتل، رداً على مقتل فتى يبلغ 14 عاماً بانفجار قنبلة في قرية برعشيت، لتعلن اسرائيل الحرب بعدها بيومين على لبنان، وقد استمرت 16 يوماً لتفضي إلى اتفاق “تفاهم نيسان” الذي شرّع فعلياً عمل المقاومة تحت بند يحق للدولتين “الدفاع عن النفس” شرط عدم استهداف المدنيين.

وشهدت تلك الحرب مجزرة قانا التي لقيت إدانة دولية، بحيث استهدفت اسرائيل مقراً تابعاً للأمم المتحدة كان يختبئ فيه نازحون، فاستشهد 106 أشخاص جميعهم مدنيون، بالاضافة إلى ذلك كانت مجزرة النبطية التي استشهد فيها 9 مدنيين، ومجزرة اسعاف المنصوري التي بلغ عدد شهدائها 6 مدنيين بينهم 4 أطفال.

وقد تسببت الحرب في نزوح نحو 500 ألف مواطن من الجنوب، ودمار هائل في البنى التحتية، حيث دمرت جسور ومحطات طاقة رئيسة، ووفقاً لتقرير منظمة الدفاع عن حقوق الانسان “هيومن رايتس ووتش” فان 2018 بيتاً وبناية في جنوب لبنان امّا حطّمت بالكامل أَو قَصفت بشدَة. وقدرت الخسارة الاقتصادية الكليّة للبنان بـ 500 مليون دولار.

وفيما تتشابه الحرب اليوم مع تلك الحرب إلا أن هناك اختلافات جوهرية، فالحرب حالياً محصورة عموماً في المناطق الحدودية لجنوب لبنان، على الرغم من بعض الخروق المعدودة، وأبرزها في الضاحية الجنوبية عبر اغتيال القيادي الحمساوي صالح العاروري.

الضحايا عموماً هم من المقاتلين، بحيث ارتفعت حصيلة الاعتداءات الاسرائيلية إلى 200، نحو 146 منهم مقاتلون وليسوا مدنيين، ولم تقصف بنى تحتية رئيسة مثل حرب “عناقيد الغضب”. أما كلفة الحرب فيبدو أنها مشابهة إذا ما احتسبنا التضخم، بحيث تقدرها مؤسسات غير رسمية بنحو مليار و200 مليون دولار.

الاختلاف هو من دون شك سببه قدرة “حزب الله” اليوم على التسبب في دمار كبير في اسرائيل، فقد طوّر نفسه على مدى أكثر من ٣٠ عاماً، وصواريخه تستطيع الوصول الى عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة، عدا عن تجربته في الحرب السورية، وخطوط الامدادال مفتوحة، وبالتالي أي ضربة تتخطى قواعد الاشتباك التي أرسيت بعد حرب تموز 2006، ستلقى رداً مشابهاً، ما يمنع توسع الحرب، على الأقل حتى اليوم.

وعلى الرغم من كل التهديدات الاسرائيلية بشن حرب شاملة، تبدو الادارة الأميركية رافضة فكرة توسع الحرب الى لبنان، وتضغط على الدولة العبرية لردعها.

أما من جهة الأجواء المحيطة بالحرب فمتشابهة، لا سيما من حيث نتائجها، اذ يفاوض الموفد الأميركي أموس هوكشتاين بمقترحات مستندة إلى “تفاهم نيسان” نفسه، زائد تحفيزات اقتصادية من المجتمع الدولي، بالاضافة إلى دعم ضخم للجيش اللبناني، كي يتمكن من الانتشار على الحدود.

وكان موقع “لبنان الكبير” كشف خلال زيارة هوكشتاين الأخيرة إلى بيروت، عن عرض قدمه لتأمين التمويل للجيش من أجل تجنيد عناصر جديدة، بالاضافة إلى العتاد اللازم، ولكن لم يأخذ العرض مداه في حينه، لأن الطبخة لم تستوِ بعد، واليوم هناك 4 دول أوروبية مع الولايات المتحدة ستساهم في هذا الدعم.

وتشير أوساط ديبلوماسية لموقع “لبنان الكبير” إلى أن التهدئة على الحدود اللبنانية مرتبطة بواحد من اثنين، إما أن تحصل التسوية في غزة وتنعكس على لبنان، وإما تفشل الادارة الأميركية في فرض تسوية في الميدان الفلسطيني فتحاول سحب ذرائع الحرب في جنوب لبنان، وذلك عبر حل موضوع النقاط الحدودية الخلافية البرية على نسق الحدود البحرية.

في المقابل، تتخوف جهات معارضة من أن تجري الولايات المتحدة مقايضة مع “حزب الله”، تؤمن له مكتسبات في الداخل مقابل التهدئة على الحدود.

شارك المقال