لا أحد يريد رئيساً… المشكلة هي الاقتصاد

محمد شمس الدين

لا يزال الفراغ سيد القصر في بعبدا، وها قد دخل لبنان الشهر الرابع بعد السنة من دون رئيس لشبه بلد يعيش من قلة الموت لا أكثر، ولا تزال الدوامة تدور بين جلسة انتخاب بدورات مفتوحة، وحوار يسبق الجلسات، وبينهما تمديد وتعيينات وقوانين وانتقادات وطعون. وقد علق البطريرك الماروني بشارة الراعي في عيد مار مارون أمس، على الفراغ، قائلاً: “هناك عملية إقصاء مبرمج للموارنة عن الدولة، بدءاً من عدم انتخاب رئيس للجمهورية وإقفال القصر الجمهوري”. وتحدث عن “انتهاك للدستور عبر بدعة الضرورة التي يعتمدها مجلس النواب ومجلس الوزراء ليجري التعيينات”، سائلاً: “هل أصبحنا في دولة نظامها استبداديّ يحلّ محلّ النظام المعلن في مقدّمة الدستور؟”.

ورحب “التيار الوطني الحر” بكلام الراعي من منطلق الهجوم على الحكومة وتعييناتها ومشاريعها، فيما شهد يوم أمس أيضاً رداً من رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، على كلام رئيس مجلس النواب نبيه بري لاحدى الصحف والذي شدد فيه على وجوب الحوار قبل جلسات الانتخاب، فاعتبر جعجع أن المشاورات الجانبية طيلة 15 شهراً لم تغيّر في مواقف القوى السياسية، وبالتالي لا حاجة الى طاولة حوار فولكلورية، ويجب الاتجاه فوراً الى جلسة بدورات متتالية حتى انتخاب رئيس للجمهورية.

ولكن في الحقيقة لا أحد من القوى السياسية يريد انتخاب رئيس، لا بحوار مسبق ولا بدورات متتالية، ولا حتى بمشاورات جانبية وتوافق، المشكلة ليست في الرئيس على قدر ما هي في البلد، فرئيس على جمهورية أنقاض لا معنى له، ولا علاقة للحرب الدائرة بالأمر، كون مشكلة الاستحقاق الرئاسي تسبقها بنحو سنة، و”حزب الله” ليس في وارد المقايضة بين الميدان والسياسة. ويقول أحد الوزراء السابقين لموقع “لبنان الكبير”: “ان المشكلة اليوم ليست بين محور الممانعة ومحور السيادة كما يُصوّر الأمر، فلنفترض أن مرشح الممانعة وصل إلى الرئاسة، هل يمكن أن يسير بالأجندات الممانعة؟ هل يمكنه تحويل لبنان إلى الشرق كما دعا الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله؟ هل يمكنه إقصاء السعودية وأميركا وأوروبا عن أدوارها في لبنان؟ بالطبع لا، وإن وصل مرشح سيادي، لن يستطيع نزع سلاح حزب الله، ولا إقصاء إيران عن لبنان، ولن يأتي رئيس لتصفية الحسابات، فالتوازنات الداخلية أهم من أي حساب، وبالتالي كل التهويل من الجهتين مضحك، بل هو فعلياً مهزلة يضحكون بها على الشعب الذي يكاد يصل إلى الحضيض”.

ويرى الوزير أن المشكلة الحقيقية هي في الاقتصاد والمال، “فما الفائدة إن أتى رئيس من دون تسوية تشمل حزمات اقتصادية بضمانات دولية يستطيع الإقلاع بالبلد؟ لبنان ليس بلداً صناعياً، وزراعته على حجمه، ودوره كبوابة الشرق انتهى، إن كان لجهة الخدمات المصرفية، التعليمية أو الصحية، فحتى لو انتخبنا ايلون ماسك بنفسه رئيساً للبنان، من دون حزمات اقتصادية، كالتي كان سيحصل عليها في مؤتمر سيدر مثلاً، سيفشل ولن يستطيع الاقلاع بالبلد”.

ويعتبر أن كل المعنيين اليوم ينتظرون إشارة خارجية لانتخاب رئيس، لأنه يشكل العنوان للمشكلة الحقيقية، لافتاً إلى أن “ما نقله الاعلام عن عروض الموفد الأميركي آموس هوكشتاين قد يساهم فعلاً في حل أزمة الرئاسة، دعم اقتصادي ودعم للجيش، بضمانات أميركية وأوروبية، إلا أنه لن يكون كافياً من دون ضمانات عربية لا سيما من المملكة العربية السعودية”.

ويشير الوزير الى وجوب الانتباه لذكرى اغتيال الرئيس رفيق الحريري هذه السنة، فإن عودة الرئيس سعد الحريري أساسية لحل الأزمات المحيطة بالبلد، وعدم عودته عن تعليق العمل السياسي، يعني أنه قد لا تكون هناك حلول، أو قد تكون حلولاً مرحلية لسنة أو اثنتين على الأكثر، بانتظار حل يصمد عقداً من الزمن على الأقل، كما حصل في مراحل سابقة في تاريخ لبنان.

شارك المقال