“ما حدا أكبر من بلدو”… مقولة أم واقع؟ 

ياسين شبلي
ياسين شبلي

“ما حدا أكبر من بلدو”، قالها ومارسها تواضعاً حتى الاستشهاد رجل اسمه رفيق الحريري هو فعلياً كان “أكبر” من بلده بإمكاناته ومزاياه الشخصية والانسانية، وهذا ما تجلَّى في عمله كذلك على المستوى الدولي “سفيراً” لسوريا تارة وفلسطين تارة أخرى.

ويقول ويفعل عكسها غروراً وعنجهية من هم “أقزام” حتى في بيئتهم وبلداتهم، وبالتالي هم أصغر بكثير من بلدهم الذي للأسف أمعنوا فيه قتلاً وفساداً وإفساداً، حتى بات على شاكلتهم للأسف، هم الذين جاؤوا في غفلة من الزمن ليلبسوا ثوب “العمالقة” الذي فُصِّل لهم في أقبية مخابرات أو – في أحسن الأحوال – في سفارات دول الخارج وبمقاساته، فمنهم من ظنَّ نفسه نابليون بونابرت وآخر صلاح الدين الأيوبي وثالث فخر الدين المعني ورابع يرى في نفسه قديساً مُخَلِّصاً، وما هم في الحقيقة سوى صُوَر مُشوَّهة وممسوخة من بعض طغاة المنطقة والعالم.

كان رفيق الحريري كبير الحلم والارادة، عظيم الثقة بالنفس وعزيزها، فائق النقاء في وطنيته شديد التعلق والايمان ببلده بعد ربِّه، بهذه الصفات تقدَّم الصفوف وإنتشل لبنان من غياهب الجُب المظلم الذي أوقعته فيه الظروف السياسية الاقليمية بأيدي البعض من أبنائه الجَهَلة أو المُغرَّر بهم، والبعض من أخوته الأشرار، فكان كالولد البار بأبيه ليعود به ومعه لبنان كما كان كبيراً، وإلى سابق عهده ومجده مُجَدَّداً مستعيداً عافيته وعزه، بلداً جميلاً معترفاً به في منطقته والعالم.

واجه الجهل بالعلم والمعرفة، وفِكْر السلاح بسلاح الفكر والقلم، والدمار بالإعمار، والكراهية بالحب، والتجني بالتسامح، فإنكشف البعض من حوله وظهروا بصورتهم الحقيقية صغاراً، فانتهزوا فرصة أول تغيير في المعادلات الاقليمية والدولية لينقلبوا عليه، وما إنقلبوا في الحقيقة إلا على البلد وشعبه ومصالحه، فكان أن إرتقى شهيداً فداءً للوطن، وسقطوا كعملاء سيلعنهم التاريخ كما لعنهم ويلعنهم الحاضر منذ يوم 14 شباط 2005، بحيث تتجدَّد اللعنة عليهم كل عام هم الأحياء – الأموات، وتتجدَّد الصلاة والرحمة على الشهيد الغائب – الحاضر، بالوفاء له والولاء لحلمه الذي زرعه في نفوس اللبنانيين، والذي حاول المجرمون بقتله أن يوقفوه ويقتلعوه من ضمائرهم وما إستطاعوا إلا تأخير إنجازه.

اليوم هم يملأون الشاشات ويعتبرون أنفسهم كباراً، في الوقت الذي أعادوا فيه مسخ البلد على شاكلتهم ليبدُوا وكأنهم أكبر منه، هم الذين ساروا بعكس الشهيد رفيق الحريري صاحب مقولة “ما حدا أكبر من بلدو”، هو “كَبُر” في الخارج عبر العمل والنجاح في تنمية إمكاناته المادية والشخصية وعلاقاته الخارجية القوية ليعود و”يستثمرها” في لبنان ولصالحه، بينما هم “كبروا” في لبنان عبر القتل والارهاب لـ”يستثمروا” هذه الممارسات في تقديم أوراق إعتمادهم للخارج، معتقدين أن رهاناتهم ومغامراتهم في الاقليم أو في ما وراء البحار تجعل منهم كباراً، ناسين أو متناسين أن الانسان يكبر بوطنه و”إنو ما في حدا أكبر من بلدو” في النهاية مهما بلغ من القوة، ومهما إمتلك من إمكانات، فكيف بالحري إذا كانت هذه القوة مستعارة وهذه الامكانات مشروطة، لأن الوطن باقٍ والشخص أي شخص هو راحل في نهاية المطاف؟

وهنا فلسفة هذه المقولة النابعة من إيمان عميق وتواضع عظيم لا يعرفه من لا ينظرون إلى مرآة وطنهم ليروا حقيقتهم، بل يرون أنفسهم في مرآة “أسيادهم” فتُصوِّر لهم أنهم كبار، وتعطيهم أحجاماً غير طبيعية تدغدغ أنفسهم الأمّارة بالسوء، لتأتي ذكرى الشهيد رفيق الحريري في 14 شباط من كل عام، لتعيدهم إلى حجمهم الطبيعي عبر إلتفاف الناس حول ضريحه والصلاة بكل الأديان والمذاهب على روحه الطاهرة، التي ستبقى تطاردهم حتى تطردهم وأرواحهم الشريرة من الوطن مهما طال الزمن.

شارك المقال