وكأن الجنوب ليس جزءاً من لبنان!

راما الجراح

ما يحدث في الجنوب كبير وخطير جداً، مجازر ترتكبها إسرائيل بحق المدنيين، وآخرها مجزرة النبطية التي راح ضحيتها ٨ أفراد من العائلة نفسها بعد قصف منزلها وتضرره بصورة كبيرة، ولم ينجُ سوى طفل صغير تم سحبه بعد ساعات من تحت الأنقاض. ما يعيشه أهالي الجنوب منذ الثامن من تشرين الأول هو حرب غير معلنة، يستهدف فيها يومياً مدنيون أو مسؤولون من “حزب الله” أو حتى منازل في القرى القريبة من الشريط الحدودي أو البعيدة عنها، فإسرائيل كسرت حاجز قواعد الاشتباك منذ عملية اغتيال القيادي في “حماس” صالح العاروري، واليوم تمضي وكأن لا اتفاق حولها مع لبنان.

وبعد أكثر من أربعة أشهر من الاشتباكات القائمة على الحدود اللبنانية بالتزامن مع استمرار الحرب في غزة، لم يلمس أهل الجنوب إهتماماً بوضعهم المأساوي أقله أن يتم التصرف على أساس حالة طوارئ في المنطقة بعد استشهاد عدد من المواطنين وتدمير منازل وأبنية. بعد كل هذه الأحداث ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بعبارة “وكأن الجنوب ليس جزءاً من لبنان”، فماذا تعني هذه العبارة؟

لم يتفق اللبنانيون حتى الآن على مقاربة موحدة للأحداث المتسارعة في الجنوب، وبعد تواصل “لبنان الكبير” مع عدد من أهالي الجنوب تمنوا عدم ذكر أسمائهم، اعتبروا أن تعاطي الدولة مع ما يحصل في الجنوب غير مقبول، فوزير التربية الوحيد الذي ينسق الأمور التربوية إلى حد ما، وغير ذلك لم نسمع إلا أن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي يطالب بتقديم شكوى ضد إسرائيل بسبب انتهاكها لسيادة لبنان وقتل المدنيين، ولكن كل هذا غير كافٍ.

حوالي ٤٠٪ من أهالي الجنوب نزحوا من قراهم، لا مأوى لهم، مساعدات “بالقطّارة”، المعاملة سيئة من الجهات المعنية بالنسبة الى تأمين المستلزمات، وكأنهم يشحذون لقمة الطعام، في الوقت الذي يعيشون حالة استثنائية وعلى الدولة أن تقف إلى جانبهم. من ناحية أخرى النسبة الأكبر لا تزال صامدة في قراها، وتعيش الرعب والخوف كل يوم من أن تستهدفها غارة اسرائيلية، وهي فوق ذلك لا تتمتع لا بالكهرباء ولا بشبكات إنترنت، ويمكن القول انها مقطوعة عن العالم ما بعد حدود قراها، بحسب أشخاص من الجنوب.

الكاتبة السياسية إيناس كريمة أسفت للطريقة التي يتم التعاطي فيها مع ما يحصل على الجبهة الجنوبية، وكأن الجنوب ليس جزءاً من لبنان. وقالت عبر “لبنان الكبير”: “ان شعار لبنان لا يريد الحرب يحمل أبعاداً خطيرة، وكأنهم يريدون عزل الجنوب عن لبنان”.

ورأت أن “التعاطي مع الشهداء المدنيين وغير المدنيين يحصل بالمنطق نفسه، وعند كل استهداف تنتشر منشورات حول التشكيك بطريقة الموت ويتم التعبير عنها بفطائس في سوريا لحزب الله، وهذا أمر خطير، فالمدني لا يجب أن يحتسب مع عناصر حزب الله، ولا ذنب للأطفال والنساء في كل ما يحصل، ولم نرَ أي موقف من الدولة اللبنانية حول ما حصل في النبطية إلا موقفاً وحيداً من الرئيس ميقاتي بتقديم شكوى جديدة ضد إسرائيل على الرغم من الضغوط التي يتعرض لها من الخارج، ولكن عموماً ليس هناك موقف لبناني تجاه ما يحصل لأهلنا في الجنوب”.

وعن مجزرة النبطية وردود الفعل، أكدت كريمة أن “أهل الجنوب يدفعون ثمناً كبيراً في هذه الحرب، وكل يوم تقريباً يسقط شهداء، وللأسف ردود الفعل قاسية، ويجب أن نرفض عبارات التقسيم في المناطق، وما حصل البارحة في النبطية مجزرة كبيرة، تم استهداف عائلة بأكملها وهي في منزلها، وكنت أتمنى أن تحدد الدولة اللبنانية هذا اليوم كيوم حداد على أرواح الشهداء، لكانت طمأنت الجنوبيين أن لبنان معهم، وهذا ما لم يحصل بكل أسف. من جهة أخرى، كان مطلوباً من اللبنانيين أن يقفوا إلى جانب أهل الجنوب الذين فرضت عليهم الحرب، وأن يفصلوا بين المعركة السياسية والتضامن الانساني مع الناس”.

إذاً ما يزعج أهل الجنوب توجيه السهام باتجاه “حزب الله” أكثر من الاسرائيلي، وكأن المعركة مع الحزب، ومن ثم توجيه السهام صوب أهل الجنوب الذين نرى منشوراتهم على مواقع التواصل الاجتماعي والتي يؤكدون من خلالها أنه يتم التعاطي مع ما يحصل وكأن المعركة أصبحت معهم والمشكلة فيهم وليست مع عدو غاشم، بحسب كريمة.

أما الباحثة في الشخصية الصّهيونيّة الساديّة فاطمة قبيسي، من الجنوب، فرأت أن “ثمّة حرب حقيقيّة تُشن على لبنان، صوت الطائرات الحربيّة التي تمشّط سماء الجنوب كلّ يوم بدلاً من صوت البلابل، وقصف منازل الجنوبيين في المناطق الحدوديّة وهدمها، ويمر صدى هذا الاجرام الاسرائيلي مثل أي خبر على القنوات الاخباريّة كافةً، على قاعدة أن جنوب لبنان على هامش الأحداث، كأنه خارج نطاق الوطن، ويبرّر أحدهم أنّ ما يحصل في المناطق الحدوديّة هو ضمن قواعد الاشتباك، لكنّ ما كان ينتظره الجنوبيّ أن يسلط الاعلام اللبناني كل طاقاته البشريّة والتقنيّة في الكشف عن الانتهاك الإنسانيّ الذي يتعرّض له الجنوبي وأطفاله، من تهجير وقصف وموت وهدم لبيوته، حتى أنّ بعض الأطفال خارج مقاعده الدراسيّة بسبب التهجير القسريّ، فأين الاعلام اللبنانيّ والعربيّ من ذلك؟.”

الحربُ ليست نزهةً يقوم بها الجنوبيون، إنّها لعنةٌ، وتقرير مصير، وخلف الصمود والمقاومة هناك مدنيون يعانون الأمرين، فالتهجيرُ الذي طال أهلنا في المناطق الحدوديّة، لا يتم الكشف عنه على الاطلاق، بحسب قبيسي التي اعتبرت أن “المشهد الدموي الذي حصل في النبطية، واستشهاد 9 أفراد من عائلة مدنية كان يجب أن تُضج به شاشات التلفزة بحجم الدمار المعنويّ والنفسيّ والانسانيّ الذي أصاب مدينة النبطيّة، والتي هي خارج نطاق قواعد الاشتباك، لكنّ الاعلام تواطأ في تهميش الحقيقة ونقل الخبر كأنه خبر عاديّ، فتعاملت معه القنوات اللبنانيّة والعربيّة بسطحيّة”.

شارك المقال