على حافة الهاوية

جورج حايك
جورج حايك

الكل يلعب على حافة الهاوية: “حزب الله” واسرائيل وإيران والرئيس الأميركي جو بايدن، لكن الوقت ينفد، واللاعبون يكادون يتجاوزون قواعد اللعبة والخطوط الحمر. وأكثر الجبهات سخونة، على الاطلاق، هي جبهة الجنوب اللبناني التي تشهد يومياً تصعيداً متزايداً، بحيث ضاق أفق الحلول الديبلوماسيّة وبات الكلام للميدان، الكلمة التي غالباً ما رددها الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله، ويبدو أنها انقلبت عليه لأن اسرائيل بإدارة رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو لم تعد ترغب في اللعب على حافة الهاوية، بل يبدو أنها قررت أخذ لبنان إلى الهاوية وترجمتها: توسيع الحرب بهدف تطبيق القرار 1701 بالقوّة.

لا شك في أن المساعي الديبلوماسية الغربية عموماً والأميركية خصوصاً لم تتوقّف لتفادي توسّع الحرب بين اسرائيل و”حزب الله”، وقد نجحت حتى الآن في إبعاد الكأس المرة عن لبنان، لأنه سيكون الضحية الأولى في حال قامت اسرائيل بهجوم كبير نظراً إلى تفوقها التكنولوجي وامتلاكها قوة نارية هائلة وصواريخ ذكية مدمّرة، علماً أن التهديدات الاسرائيلية لم تتوقّف يوماً منذ انخراط “الحزب” في الحرب وفتحه جبهة مساندة لغزة بقرار إيراني.

بالتأكيد لم يكن نصر الله، لو أولى المصلحة اللبنانية أهمية، ليدخل في هذه الحرب أصلاً، وهو إعتقد أنه قادر على رسم ضوابط للمواجهات بينه وبين اسرائيل، متراقصاً على حافة الهاوية، وهنا ارتكب خطأ كبيراً. ويوضح الأستاذ في العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور هلال خشّان أن “حزب الله” أراد أن يقوم بعمليات محدودة منذ فتح جبهة مساندة لـ”حماس” حتى يبرر انتماءه الى محور الممانعة ووحدة الساحات وبدأها بسقف منخفض، لكن غاب عنه أن اسرائيل لا تفهم بقواعد اشتباك ولا تلتزم بها، وهو ارتكب الخطأ نفسه الذي ارتكبته “حماس” عندما ظنّت أنها إذا أخذت رهائن اسرائيليين فستجبر الدولة العبرية على التفاوض معها واطلاق الأسرى الفلسطينيين. ويلفت إلى أن هذه التنظيمات لا تعرف العقل الاسرائيلي كيف يعمل، وأن المعركة بالنسبة إلى اسرائيل هي معركة وجود. وبالتالي نذكر جيداً أن نتنياهو قال مرات عدة عندما ننتهي من غزة سننتقل إلى جبهة الشمال لننهي خطر “حزب الله”.

من الواضح أن معركة غزة أصبحت في نهايتها، ويشير هلال إلى أن اسرائيل أصبحت في مرحلة التمشيط والتنظيف والقضاء على بقايا “حماس”، بدليل أنها نقلت قوتها العسكرية الأساسية من غزة إلى الحدود اللبنانية.

ليست الضربات التي توجهها اسرائيل الى “الحزب” في الجنوب مجرد رد فعل أو اشتباكات عادية، ويؤكد هلال “أنها تركّز على ضرب البنية التحتية العسكرية واللوجستية للحزب بهدف شلّ قدراته العسكرية وتصفية قادته العسكريين والأمنيين، وهذا ما يحصل عادة قبل شنّ حرب كبيرة، فيقوم الجيش النظامي بعمليات قصف مركّزة ليدمّر مخازن الذخيرة والبنية التحتية، ثم يبدأ الهجوم البري”. بمعنى آخر، تقوم اسرائيل بإضعاف “الحزب” قبل اللجوء إلى تصعيد عسكري كبير. وهذه ما يريده نتنياهو، فيما يتورّط “الحزب” شيئاً فشيئاً من دون أن يعي أبعاد ما يفعله. ويوافق هلال على هذا الاستنتاج، ويرى أن “الحزب” انزلق إذ كان يريد أن يستمر في إطار قواعد الاشتباك، إنما اسرائيل لا تلتزم وقد وسّعت اعتداءاتها إلى النبطية وعين زحلتا منذ يومين، وتمكّنت من قتل 10 عناصر من “الحزب”، الذي من الواضح أن الأمور خرجت من يده، وبات الاسرائيلي يتحكّم بالميدان، وقد صرّح رئيس الأركان في الجيش الاسرائيلي بأن جيشه سيُخرج “الحزب” من الجنوب، والمسألة عملية وقت لا أكثر ولا أقل، والأمور ذاهبة إلى توسّع الحرب حتماً.

من جهة أخرى، لا يبتعد نتنياهو عن اللعب على حافة الهاوية أيضاً نتيجة وضعه الداخلي وحاجته الى الحرب كي يطيل عمره السياسي ويُبعد “شبح” المحاسبة عنه، إلا أن هلال لا يوافق على هذه النظرية ولا يعتبر أن نتنياهو يلعب على حافة الهاوية، لأن مصطلح حافة الهاوية يتمثّل في التهديدات بالحرب، إنما ما نشهده اليوم هو الانزلاق إلى الحرب، ولا شك في أن نتنياهو فرضت عليه الحرب، وفق هلال، منذ عملية “طوفان الأقصى”. وقد ينطبق هذا المصطلح أكثر على إيران التي تمارس سياسة “حافة الهاوية”، فتزج أذرعها العسكرية في المواجهات وهي تتجنّب خوض الحروب.

هل بايدن يلعب بدوره سياسة “حافة الهاوية” عشيّة الانتخابات الأميركية؟ يجيب هلال: “بتاتاً الرئيس الأميركي لا يريد الحروب إلا أنه خاسر ولن ينجح في الانتخابات، فالمعركة محسومة ودونالد ترامب سيكون الرئيس الأميركي المقبل. أما بايدن فأعلن دعمه المطلق لاسرائيل منذ البداية وقد زارها في بداية الحرب، لكنه يحاول أن يضبطها حتى لا تتورّط أكثر، فيما نتنياهو لا يستجيب له، فاضطر بايدن الى أن يُرسل وزير خارجيته أنطوني بلينكن خمس مرات إلى اسرائيل ووزير دفاعه ومدير المخابرات الأميركية، ولم يستطيع التأثير على نتنياهو”.

وبات مؤكداً أن إيران لن تتورّط في حرب اقليمية والولايات المتحدة الأميركية لن تهاجم إيران حتى أنها لن تسمح لاسرائيل بضربها، ويشير هلال إلى أن ما هو مسموح به ضرب أذرع إيران العسكرية فقط. ولا يهمّ النظام الإيراني لو تعرّض “حزب الله” لهجوم اسرائيلي، ويُذكّر هلال بما حصل عشية الحرب السورية عام 2012، عندما طلب قائد “فيلق القدس” السابق قاسم سليماني من رئيس وحدة العمليات الخارجية في “الحزب” مصطفى بدر الدين أن يدخل في حرب سوريا، فسأله لماذا لا تدخل إيران نفسها في الحرب؟ وقد كلّفه هذا السؤال حياته!

ويرى هلال أن الحرب الاسرائيلية في الجنوب اللبناني ستُبعد “الحزب” نحو نهر الليطاني ولا أتوقّع أن تنسحب من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا.

أما توقيت توسّع الحرب التي بات هامش الحل الديبلوماسي فيها ضيّقاً، فليس بعيداً برأي هلال، إنما ستأخذ أبعاداً أكبر عندما تنتهي معركة رفح لأن اسرائيل منشغلة هناك في الوقت الحاضر، يعني بعد أسابيع قليلة عندما تصبح الظروف المناخية أفضل.

شارك المقال