4 آب… علامات استفهام كبيرة على تحقيق بيطار

محمد شمس الدين

جريمة العصر في لبنان تدخل سنويتها الأولى من دون أي تقدمٍ يذكر في التحقيقات، لم يُقبض على المجرم أو المجرمين، لم يُحاسب أحد، كل ما يشاهده اللبنانيون اليوم هو عراضات شعبوية بخلفياتٍ سياسية. وبعدما كان هناك أملٌ لدى اللبنانيين بالقاضي طارق بيطار بتحقيق العدالة، أصبح الكثير يعتبرونه قاضياً ذا انتماء سياسي واضح.

تبدي مصادر مطلعة لموقع “لبنان الكبير” استغرابها من المسار الذي اتبعه المحقق العدلي القاضي بيطار، حيث رأت أنَّ التحقيق من المفترض أن يكون على ثلاث مراحل: المرحلة الأولى هي ملكية شحنة نيترات الأمونيوم وهدف وصولها إلى لبنان، وهذه المرحلة تتحمل أكبر المسؤوليات بتفجير المرفأ؛ المرحلة الثانية هي الأجهزة الأمنية والقضاء الذين يتحملون ثاني أكبر المسؤوليات بالتفجير؛ أما المرحلة الأخيرة فهي الوزراء المعنيون والسياسيون، الذين جُلَّ مسؤوليتهم قد تكمن بالإهمال الوظيفي.

بيطار لم يهتم بملكية النيترات

المرحلة الأولى توجب التحقيق بأصل الشحنة ومصدرها بحسب المصادر، مستغربة تغييب هذا الأمر حتى من الرأي العام والإعلام وليس فقط من قاضي التحقيق. وتشير المصادر إلى أن الباخرة روسوس، حسب ما تبين من التحقيقات الأولية والتي نشرتها وسائل الإعلام، رست في مرفأ بيروت نتيجة عقدٍ مع وزارة الطاقة لنقل معدات تنقيب عن النفط، ولكن بقيت السفينة بحمولتها الخطرة ونُقلت المعدات بسفينةٍ أخرى. وتستغرب المصادر عدم التحقيق مع السماسرة الذين أتوا على الباخرة، هذا عدا عن اختفاء صاحب الباخرة وتخليه عنها بعدما كان قد اشتراها بفترة قصيرة. هذا المسار يجب أن يكون أولوية التحقيق برأي المصادر، وتغييبه هو للتعمية عن المجرم أو المجرمين الحقيقيين.

بين نكد أمن الدولة وإهمال الجمارك والاستنسابية في الجيش

المرحلة الثانية تستوجب التحقيق مع الأجهزة الأمنية والقضاء وفقاً للمصادر، بدايةً من المدير العام للجمارك بدري ضاهر، الذي يمتلك الصلاحية المطلقة بتلف أي مواد تُصنف أنها خطرة بنفسه بدون الحاجة لأي قرار قضائي أو حكومي، وذلك حسب المادة 144 من قانون الجمارك التي تقول: “إذا تبيّن بنتيجة المعاينة أو التحليل أن البضاعة مخالفة للقوانين والأنظمة، وجب إتلافها أو إعادة تصديرها. دائرة المعاينة المختصة تنجز تقريراً موجزاً يتضمن اسم المستورد وعنوانه واسم المخلص الجمركي ونوع البضاعة المستوردة، مع بيان نتائج المعاينة أو التحليل المجرى على عينات من البضاعة، ويرفع هذا التقرير الى رئاسة المصلحة مع المقترحات المناسبة بشأن مصير البضاعة (إتلاف أو فرض إعادة التصدير). ويكون على رئيس المصلحة تأمين الاتصال السريع بوزارة البيئة ودعوتها إلى إرسال مندوب عنها للكشف على البضاعة وتبيان إمكانية إتلافها وتحديد شروطه بموجب تقرير خطي موقّع منه. وفي حال موافقة وزارة البيئة على الإتلاف يوجه رئيس المصلحة إخطاراً إلى المستورد أو ممثله لحضور عملية الإتلاف التي ستجري بإشراف اللجنة الخاصة المكلفة بذلك، مع تحديد موعد ومكان الإتلاف الذي يبلّغ أيضاً إلى اللجنة المذكورة. أما إذا تخلّف المستورد أو من يفوّض إليه حضور عملية الإتلاف، تتمُّ العملية في غيابه ويحرّر محضر بالواقعة من قبل اللجنة”، علماً أن صلاحية الجمارك بالتصرف بالمواد الخطرة تشمل البضائع غير المصرّح عنها بموجب بيانات نظامية “والمستودعة في مخازن يديرها الجمرك. وإذا تبيّن للجمرك بأيّ وسيلة كانت (إخبار أو طلب أو انبعاث روائح كريهة…) أن البضائع الموجودة داخل الحرم الجمركي تشكل خطراً على الصحة العامة أو سلامة البيئة، تُتّبع بشأنها الأصول ذاتها، على أن يوجه الإخطار إلى شركة النقل المعنية بصفتها المسؤولة عن تنفيذ عقد النقل أو الى صاحب البضاعة إذا كان معروفاً”. قانون الجمارك يتيح لها إتلاف أي بضائع خطرة أو فرض إعادة تصديرها.

وبهذا، فإن المهمل الأول بحسب المصادر يكون بدري ضاهر، فتى العهد القوي المدلل.

تشير المصادر إلى معلومات خطيرة أُشيع عنها بعد الانفجار، تقول إنَّ حرب التيار الوطني الحر ضد الرئيس سعد الحريري كانت سبباً بعدم تبليغ الرئيس الحريري بشأن النيترات في المرفأ من قبل أمن الدولة، وذلك عندما كان رئيس حكومة تصريف الأعمال بعد الاستقالة على إثر 17 تشرين، حيث كان هناك تعميم برتقالي بمقاطعة الحريري من كل الجهات التابعة للعهد، إذا صحت هذه المعلومات، يكون النهج المدمر للعهد سبباً بانفجار المرفأ أيضاً.

وتلفت المصادر الى أن القاضي بيطار ادعى على قائد الجيش السابق جان قهوجي ومدير المخابرات الأسبق العميد كميل ضاهر، بينما لم يستدع مدير المخابرات الذي تلاه العميد طوني منصور، الذي كان أمين سر مديرية المخابرات أيام ضاهر. وأيضاً ادعى القاضي بيطار على العميد جودت عويدات، الذي كان رئيس فرع التحقيق في مديرية المخابرات عام 2017، أي في عهد قائد الجيش الحالي العماد جوزاف عون، وهذا إن دل على شيءٍ فهو على استنسابية القاضي بيطار في الاستدعاءات، ما يوحي أنَّ هناك خطوطاً حمراً معينة مفروضة عليه.

ازدواجية بالتعامل بين القضاة والسياسيين

أما القضاة، وبحسب المصادر، أكثر من كان يعلم بموضوع النيترات بعد الأجهزة الأمنية، وقد تعاملوا بالملف وكأنه دعوى بسيطة أمام محكمةٍ مدنية، وضيعوا الوزارات والإدارات بالمراسيل البيروقراطية، حتى ضاع الملف كلياً خلال 7 سنوات، وانفجرت هذه البيروقراطية باللبنانيين جميعاً.

إقرأ أيضاً: أهالي شهداء المرفأ: بعد 4 آب ليس كما قبله

المرحلة الثالثة تقتضي محاسبة الوزراء والسياسيين على الإهمال الوظيفي، تقول المصادر، ولكن مسؤوليتهم لا تذكر أمام المرحلة الأولى والثانية إن كانوا فعلاً لم يقوموا بالإجراء اللازم لدى وصول المراسلة إليهم. وتستغرب المصادر كيف أن المحقق العدلي حول القضاة على مجلسٍ خاص وفق الدستور، ولكنه يعتبر أن تحويل الوزراء على مجلسهم الخاص (المجلس الأعلى لمحاكمة الوزراء والرؤساء)، هو محاولة للتنصل من المحاسبة، واعتبرت المصادر أن الاستنسابية في أي عمل قضائي تضيع الحقيقة.

الخوف من التسييس

أما عن أخبار لقاءات قاضي التحقيق مع مستشار القصر الجمهوري، فتعلق المصادر بأنها إن صحت فهي تضيف إلى تخبيصات القاضي بيطار، الذي سيظهر أنه يعمل للتصويب السياسي وليس إظهار الحقيقة. وتستذكر المصادر  لقب التشكيلات القضائية القائمة اليوم: “تشكيلات جريصاتي”، متخوفة من أن تكون إدارة التحقيق بانفجار المرفأ بهذه الطريقة، هي لغاياتٍ سياسية خبيثة.

عام مضى على انفجار مرفأ بيروت، ومن حق ذوي الضحايا بل كل اللبنانيين معرفة الحقيقة وتحقيق العدالة الكاملة دون أي تحفظات، وطبعاً لا يُقيّم عمل قاضٍ عبر الإعلام، ولكن هناك بديهيات، وجب على القاضي إيضاح علامات الاستفهام عليها أمام الرأي العام، الذي بدأ يرى استنسابية في التحقيق. ومن الطبيعي أنَّ يرى من طلب القاضي رفع الحصانات عنهم استهدافاً سياسياً لهم، ولهذا السبب، ولإسقاط أي حجة عن أي أحد، الأفضل هو رفع الحصانات عن الجميع، من رأس الدولة إلى أصغر موظف.

شارك المقال