“الحزب” في كسروان وجبيل بين الحقيقة والخيال… وأهداف اسرائيل!

جورج حايك
جورج حايك

لا يختلف اثنان على أن ما بثه موقع “الما” الاسرائيلي منذ يومين عن مواقع وأنفاق صواريخ في كسروان وجبيل ليس هدفه تنبيه المواطنين اللبنانيين عموماً والمسيحيين خصوصاً الى ما يفعله “حزب الله”، إنما يتضمن رسائل ونوايا خبيثة، وهذا أمر بديهي لأن الموقع الالكتروني العبري مرتبط بالموساد أي جهاز الاستخبارات الاسرائيلي. لكن بلا أدنى شك أن هذا الفيديو تمّ تدواله بكثافة في مواقع التواصل الاجتماعي، وليس مستغرباً أن يثير قلق بعض اللبنانيين الممتعضين من أداء “الحزب” وهيمنته على قرار الحرب والسلم أصلاً، ويعتبر أن “جسمه لبّيس”.

يعيش اللبنانيون توتراً لا يوصف من إحتمال توسّع الحرب إلى مناطق لبنانية بعيدة من الحدود الجنوبية، وهذا ما ينطبق على الشريحة الأكبر من اللبنانيين الذين أعلنوا مرات عدة رفضهم للحرب وربطهم بحرب غزة لاعتبارات تتعلق بمصالح “الحزب” ومرجعيته الإيرانية. لذلك كل خبر يتضمن معلومات، حتى ولو كانت اسرائيلية، يهزّ المجتمع اللبناني وخصوصاً أن هناك شعوراً بأن الوضع قد ينفجر ولا صمام أمان يحمي لبنان جدياً طالما أن “الحزب” يتفرّد بقرار السلم والحرب.

لكن سرعان ما أتى الرد من وزارة الطاقة في لبنان، مؤكّدة أن هذه المنشآت التي ظهرت في الفيديو تابعة لمؤسّسة مياه بيروت وجبل لبنان، وأبرزها النفق المنشأ لتحويل مياه نهر إبراهيم لزوم تشييد سد جنة، كما أن الوادي في محيط السد، نتج عن أعمال الحفريات التي نفّذت فيه، ولا علاقة لهذه المنشآت بما تزعمه اسرائيل حول بنى تحتية.

ويبدو أن الفيديو أثار جدلاً بين رئيس لقاء “سيدة الجبل” النائب السابق فارس سعيد وعضو كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب رائد برو، فاعتبر سعيد أن الفيديو يتكلم عن طريق حدث بعلبك عبر القرى الشيعية في جبيل وهو طريق عسكري ما سببّ قلقاً في الجرد، لافتاً إلى أنه تكلم عشرات المرات عن خطورة الفلتان العقاري والأمني، “المعلومة خطيرة، برسم القيادات العسكرية والسياسية”، “الحجر بمحلّو قنطار” و”نحن في بيوتنا”. أضاف: “لسنا في صدد تعقيد الأمور وألفت الانتباه، الى أن هذا الطريق يمرّ في جرد العاقورة وجرد كسروان الفتوح، وادي نهر إبراهيم، وسط جبيل حتى البحر، لا يمرّ بقرى مسيحيّة، كان سبب قصف جسر الكازينو وجسر الفيدرا في الـ2006 من إسرائيل بهدف قطعه، قد يكون الفيلم مركبَاً انما نطالب بتفسيرات”.

هذا الكلام استتبع رداً ساخراً من برو الذي توجه إلى سعيد: “اذا طل الدكتور من الشباك بشوف النفق مارق بضيعتو وبيتذكر صوت جرافات الشركة البرازيلية التي حفرت النفق أثناء التزامها لمشروع سد جنة، ولبحب يعمل كزدورة بالمواقع يلي عرضها الفيلم انا جاهز نهار الأحد لنترافق سوا”. ليختتم سعيد السجال قائلاً: “أعرف المنطقة أفضل منّك، لأني أكبر بالعمر وهوايتي هي اكتشاف الطبيعة سيراً على الأقدام، وأعرف جنّة وأنفاق جنّة، وأعرف أن مصدر الخبر هو إسرائيلي، وإذا كان في منطقتنا مخازن أسلحة فهذا خطير، وإذا أرادت إسرائيل الفتنة بيننا فهذا أخطر. عليكم وعلى الجيش الذي نحترم طمأنة الجميع”.

للوهلة الأولى نجحت اسرائيل في إثارة الجدل بين اللبنانيين حول هذا الموضوع الشائك، والمفارقة هي غياب أي مسؤول رسمي في الدولة عن طمأنة الشعب اللبناني، أو على الأقل، مبادرة الجيش اللبناني إلى إصدار بيان لأنه مرجعية أمنية موثوق بها، إلا أن الصمت الرسمي المستغرب استمر من دون أي توضيح.

في المقابل، ليس سراً أن حرب الفيديوات مستمرة بين اسرائيل و”الحزب”، ويرى ضابط سابق في جهاز أمني لبناني أن ما بثّه موقع “الما” الاسرائيلي الاستخباراتي ينطلق من أبعاد الحرب النفسية التي تهدف إلى الضغط المعنوي على لبنان وتوجيه رسالة إلى “الحزب” بأنها قادرة على الوصول إلى أي مكان وتعرف الكثير.

إلا أن الضابط السابق يشير إلى أن “الطرق والمنشآت التي ظهرت في الفيديو ليست جديدة، وهي طرق عادية، يسلكها معظم سكّان جبيل، علماً أنها لا تمر بالقرى المسيحية، بل داخل القرى الشيعية، وعملياً لا يمكن إخفاء أسلحة ثقيلة مثل الصواريخ في هذه الأماكن، لذلك نشكّ في مصداقية المعلومات في هذا الفيديو، لكن المواطنين لا يمكنهم أن يعيشوا في حالة ذعر، لذلك على الجيش اللبناني أن يُطمئن اللبنانيين، فيستقصي عن الموضوع ويؤكد للشعب أن لا صحة لهذه الادعاءات الاسرائيلية”.

واللافت أن كثراً من المحللين الأمنيين يعتبرون هذه الأنفاق مكشوفة وبالتالي ليست معدة للاستعمال العسكري، على الرغم من أن لا شيء ينفي أن لا تكون كذلك، مع الاشارة إلى أن “الحزب” لا يُمكنه أن يحفر نفقاً بمداخل ومخارج مكشوفة لتصوّرها اسرائيل بهذه السهولة.

ليس مستبعداً أن اسرائيل أرادت التسويق لهذا الموضوع بنوايا خبيثة، من أجل أن تقول لـ”الحزب”: حذاري أن تقوم باستخدام هذه المناطق، فعيوننا ترصدك، وبإمكاننا ضربك، وحتماً هذا يدخل في إطار الحرب النفسيّة.

من هنا لا بديل عن تطبيق القرار 1559، فيتحوّل “الحزب” إلى حزب سياسي ككل الأحزاب، إلا أنه مصرّ على الهوية الايرانية بدلاً من اللبنانية، إذ يتلقّى التوجيهات والسلاح والأموال من إيران، والمؤسف أن من “يأكل من خبز السلطان سيضرب بسيفه”، وهذا ما ينطبق على “الحزب”، ما يزيد النقمة عليه، وهذا ما تحاول اسرائيل استغلاله من خلال بث فيديوهات تثير قلق المسيحيين في كسروان وجبيل لتزيد نقمتهم على “الحزب”. ولا يمكن لوم الناس لأنها قابلة أن تصدّق أي فيديو أو معلومات عن “الحزب” بسبب فقدانها الثقة بالسلاح غير الشرعي، فيما الجميع يؤيّد حصريّة السلاح بيد الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية الرسمية اللبنانية.

وما حصل منذ يومين يعيد إلى الأذهان مخاوف سابقة لدى المسيحيين وتحديداً المشكلة التي أثارتها الكنيسة المارونية قبل أشهر عديدة، على خلفية الخلاف العقاري على الأراضي والممتلكات وسعي “حزب الله” إلى شراء الكثير من العقارات في جرود جبيل وكسروان، كمنطقتي العاقورة وجرودها، ولاسا، في قضاء جبيل. جغرافياً، فإن الجبال، هي التي تفصل بين قضاء جبيل وبين قضاء بعلبك الهرمل، الخاضع لسيطرة مطلقة من “الحزب”. وهو يهدف من شراء الأراضي في تلك المنطقة، إلى ربط كل هذه المناطق بعضها ببعض، من العمق السوري، إلى البقاع وصولاً إلى قضاء جبيل، الذي تقع عاصمة قضائه بيبلوس على البحر الأبيض المتوسط. وثمة من أشار حينها إلى أن الهدف من ذلك، هو لقطع الأوتوستراد الدولي الذي يربط بيروت بالشمال اللبناني عند حصول أي طارئ.

وهذا الكلام القديم، ينطبق مع مقاربة لأحد الفعاليات الجبيلية معتبراً أن “الحزب لديه خطة طويلة الأمد، بدأت في مطلع التسعينيات عندما شقّ طريقاً بين المنيطرة وحدث بعلبك وأهّلها لتصبح صالحة للعبور من البقاع حتى البحر في جبيل، وقد ربط من خلال هذه الطريق كل الطرق التي تصل إلى أماكن الوجود الشيعي في لبنان، ترجمة لخطة بعيدة المدى نجهل تفاصيلها”، وتوضح الفعالية الجبيليّة أن ما بثّه موقع “الما” العبري، “لا يعنينا إنما هناك حالة شاذة يمثّلها الحزب في كل لبنان، يجب معالجتها لأنها لا تبعث الاطمئنان في النفوس”.

شارك المقال