بين السلم والحرب… والحكمة الضائعة

د. نسب مرعب
د. نسب مرعب

عندما تتجنّب دولة ما الحرب وجرّ الويلات إلى شعبها، فليس هذا وليد رهانات وتحالفات ومصالح فحسب، بل إنها حكمة القادة، وإنها المكانة التي يحظى بها الانسان في هذه الدولة التي تهتم بكرامته وأمنه.

السياسة ليست هجوماً في زمن اللاتكافؤ، وليست تهوراً في عهود اللاتوازن، وليست إقتحاماً للمجهول، والسياسة الحكيمة لا تُمعن في زجّ مواطنيها في أتون المعارك العبثية.

الانتصار لا يُبنى بتداعيات الهزيمة، والفوز لا يتحقق بينما يلفظ الشعب أنفاسه الأخيرة على إيقاع أناشيد تمجيد الرموز المتهالكة.

الحكمة ليست عمالة ولن تكون، والحكمة لا تتحول إلى خيانة، فهذه الأخيرة لا تعدو كونها تهمة معلّبة ومنتهية الصلاحية يلصقونها بمن يشاؤون حين عن محاججته يعجزون. الخائن حقاً هو من يقامر بأرواح مواطنيه في سبيل تعزيز موقعه، ومضاعفة مكاسبه، وتحسين شروطه.

كثيرة هي الحروب في العالم التي تسلّقت على أشلاء الأطفال، وما أكثر الاتفاقات الموقّعة بالدماء والدموع. وتظلّ مآلات الحروب كافة ومهما إشتدّت أهوالها في إبرام المفاوضات وإرساء التسويات.

الحكمة السياسية لا تنبهر بالبطولة الشعبوية. الحكمة تحافظ على الدولة. وإنّ إنتزاع الأرض والشعب والمؤسسات منك دفعة واحدة ينهي الوجود الفعلي لمقوّمات البقاء والاستمرارية والقرار حتى لمجرّد مفهوم الدولة لديك.

السلاح وسيلة وليس قدراً، السلاح أسلوب وليس منهجاً، والسلاح عنف وليس قداسة.

هذه محاولة صادقة لتقويم المشهد ككل، ليس من فتحة نفق تحت الأرض، إنّما بعين امرأة ثكلى تقطّعت أوصال أطفالها تحت الركام.

من الحكمة أن يرتفع علم الدولة مرفرفاً فوق مؤسسات الدولة المتطورة وشرفات منازل المواطنين الآمنين، لا أن نراه يلفّ جثامين مواكب الضحايا، أو تنكيسه حداداً عليهم.

إنّ لهدم الكعبة أهون من قتل مؤمن، هذا ما أدركته المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة اللتان حفظتا دماء أبنائهما، وكرّمتاهم ومنحتاهم الرفاهية، فقد حوّلتا أراضيهما إلى واحات حياة وإزدهار وإنماء. والحكمة ضالة المؤمن حيث وجدها أخذها. وجدتها دول الخليج في مسارات السلام ونبذ التطرّف وإنهاء الخلافات الاقليمية، وأخذت بها وحملت مواطنيها إلى فضاءات من الحداثة والانفتاح والعلاقات البنّاءة.

شارك المقال