هذا هو سرّ مواقف عون – باسيل الأكروباتية!

جورج حايك
جورج حايك

يمكن أن تخدع كل الناس بعض الوقت، وبعض الناس كل الوقت، لكنك لن تستطيع خداع كل الناس كل الوقت… هذا ما ينطبق على الثنائي ميشال عون-جبران باسيل الذي يحترف تغيير المواقف وفقاً لمصالحه، والتاريخ الحديث ابتداء من عام 1988 وحتى اليوم يُثبت هذا الأمر بالوقائع والأدلة، والمواقف الأخيرة الانقلابية على “حزب الله” وسحب الغطاء المسيحي عن “مقاومته” تندرج في هذا الاطار.

يعيش “التيار الوطني الحر” حالة من التذبذب والتراجع في الوسط المسيحي، وهذا ما تعكسه نتائج كل الانتخابات الطلابية والنقابية وحتى النيابية، إذ لم يستطع أن يؤمّن هذا العدد من النواب إلا بمساعدة “حزب الله” الذي ضمن له ما لا يقل عن 10 نواب، ليشكّل باسيل ما يُعرف بتكتل “لبنان القوي”.

يعلم رئيس “التيار” أنه خسر كثيراً من التفاهم مع “الحزب” تحت عنوان “تفاهم مار مخايل” منذ العام 2006، وقد بدأ مسيرة تراجعية في شعبيته المسيحيّة منذ ذلك الوقت بعدما ارتكب خطيئة وطنيّة كبيرة، ولا سيما لناحية البند العاشر من التفاهم الذي كرّس دور سلاح “الحزب” إلى الأبد، وفق الناشط السيادي الياس الزغبي، ولم يشر إلى دور الجيش في بناء الدولة واتفاق الطائف.

اختار عون وباسيل توقيتاً حسّاساً لانتقاد “الحزب”، وهو بحاجة إلى دعم من حليفه المسيحي، فدكّا ما يسمى بربط الساحات بمواقفهما الصاروخية، رافضين قيامه بزج لبنان في الصراع الدائر بين حركة “حماس” وإسرائيل، في موقف يتناقض مع ما كان باسيل يصرح به منذ بدء المواجهات في تشرين الأول الفائت.

لكن هذه ليست المرة الأولى التي يوجّه فيها باسيل سهامه إلى “الحزب”، ومن يسترجع مواقفه منذ بداية معركة الانتخابات الرئاسية وتحديداً منذ عامين، وترشيح “الحزب” لمنافس باسيل اللدود رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، يُخرج باسيل ما في جعبته من انتقادات، ولو تناقضت مع مواقفه السابقة. وقد بات “الحزب” معتاداً عليه، ويعرف أن مواقف باسيل ليست مبدئية ولا علاقة لها بقضية يؤمن بها كالسيادة ولبنان أولاً والدولة القوية والدستور والقرارات الدولية، بل يخفي وراءها مجموعة من المطالب على قاعدة مصلحيّة لا اكثر ولا أقل، وخصوصاً مسالة التخلي عن فرنجية وتبني مرشّح مناسب لطموحات باسيل وتياره.

من المُحزن أن بعض المسيحيين لا يزال يصدّق عون وباسيل، على الرغم من علمه بعدم ثباتهما على مواقفهما، واستخدام لعبة انتقاد “الحزب” لأهداف سلطوية. ويلفت مصدر في المعارضة إلى أن بعض السفراء الأجانب تخدعه أيضاً مواقف عون-باسيل، بل تبهره، فيفكّر في أن هناك تحوّلاً أساسياً في توجهاتهما السياسية يُمكن الرهان عليها، في حين إذا لوّح لهما “الحزب” ببعض التنازلات ينقلبان على مواقفهما فوراً ويعودان إلى دعمه وتأمين الغطاء المسيحي له، بنسبة التمثيل النيابي التي يتمتعان بها!

إذاً ما يفعله عون-باسيل ليس سوى ابتزاز لـ”الحزب” لدفعه إلى التخلي عن فرنجية وتثبيت مرجعية باسيل ليكون الشريك المسيحي الوحيد بحيث تكون له اليد الطولى في اختيار رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المقبلة. ويؤكد المصدر المعارض أن “الحزب” ليس مستعداً للتخلي عن فرنجية ولا للرضوخ لابتزاز عون-باسيل. وهذا ما أثبته في الأداء السياسي منذ عامين حتى اليوم، تاركاً باسيل يتخبّط في تموضعه السياسي الجديد، فهو ليس قادراً على الانضمام إلى جبهة المعارضة وليس جاهزاً للقبول بفرنجية لأن من شأن ذلك أن ينهيه سياسياً، فباسيل يتنشّق “أوكسيجين” استمراريته في الحياة السياسية من السلطة، وربما يقبل بـ”الفتافيت” كتعيين أعضاء في المجلس العسكري محسوبين عليه أو ما شابه ذلك، ليغيّر مواقفه.

لا شيء يشفع بباسيل وعمّه في نظر المصدر المعارض، بل على الرأي العام اللبناني عموماً والمسيحي خصوصاً محاسبتهما في أول فرصة للانتخابات النيابية، إذ عملا من خلال تحالف مار مخايل على تغطية “الحزب” في عملية تدمير المؤسسات الواحدة تلو الأخرى، هذه المؤسسات التي اعتبرتها الجماعة المسيحية تاريخياً الضمانة لها ولجميع اللبنانيين في كنف دولة ودستور وقانون وحرية وعدالة.

ويوضح المصدر “أن عون الذي كان رئيساً للجمهورية طوال 6 أعوام، كان أداة في يد محور الممانعة وسلّمه البلد بالكامل، فأين كان حرصه على قرار السلم والحرب وقتها؟”، مشيراً إلى أن لا حاجة للتذكير بأن الصراع الذي انطلق بعد خروج الجيش السوري من لبنان تمحور حول الدولة بين من يريد أن تُسيطر الدويلة عليها لضمها إلى محور إقليمي وظيفته نشر الفوضى، وبين من يريد أن تستعيد الدولة الدور الذي فقدته منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي، والمفارقة أن عون وباسيل وقفا وغطيا فريق الدويلة واعتمدا على المحور الايراني ليستمدا نفوذهما.

مواقف عون الجديدة لا يُمكن أن تُنسي الشعب اللبناني والمسيحيين خصوصاً العنوان الذي رفعه في 10 تشرين الثاني 2014 حين قال: “إننا والحزب أصبحنا اليوم في مرحلة تكامل الوجود”. فمن يضمن أن ما قاله اليوم ليس سوى “غيمة” شباطيّة في أجواء علاقته بـالحزب؟ علماً أنه في الوقت نفسه الذي أطلق فيه عون وباسيل مواقفهما النارية ضد “الحزب”، كان عضو تكتل “لبنان القوي” النائب آلان عون يؤكد أن العلاقة تغيّرت مع “الحزب”، ولا وحدة في كل المواقف، والتفاهم معه كما كان أيام التحالف على كل المواقف بحاجة الى إعادة صياغة، لكن لا طلاق. وهذا يعني أن عون وباسيل يناوران ويبتزان “الحزب” لا أكثر ولا أقل ولن يعلنا الطلاق، وغداً يوم آخر!

شارك المقال