الجمارك في الواجهة… والسبب طائفي

حسين زياد منصور

لا تزال قضية خفراء الجمارك تثار في بعض اللقاءات والمجالس السياسية والدينية لبعض القوى السياسية، وخصوصاً المسيحية، وهذا فعلاً ما شهدناه خلال الأسابيع الماضية، من بيانات حزب “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر” حول هذا الموضوع، مطالبين بضرورة مراعاة مقتضيات الوفاق الوطني والعيش المشترك، على اعتبار أن تعيين ما يقارب 200 خفير نجح في العام 2018، وأن جميعهم من طائفة واحدة يخل بالتوازن الطائفي في الجمارك والادارات العامة، ويضرب التوازن الوطني والشراكة والعيش المشترك.

فهذه الجلبة تندرج ضمن مخاوف المسيحيين من محاولات اقصائهم من دوائر الدولة، وتفريغ مؤسساتها منهم. هذه القضية لم تغب عن الواجهة، وحضرت في اللقاء الذي جمع وفداً من “القوات اللبنانية” بالبطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي في بكركي.

الجميع يعلم عن دورة خفراء الجمارك، والمأساة التي عانى منها الناجحون في مباراة الدخول التي حصلت. لكن ما سبب الأزمة الآن وهذه “الفورة”؟

أوساط متابعة تروي لموقع “لبنان الكبير” أن “البداية كانت بعد تعيين عدد كبير من خفراء جمركيين والأكثرية منهم من غير المسلمين وذلك انطلاقاً من ضرورة مراعاة التوازن الطائفي، وليس من منطلق الكفاءة. وكان ذلك من خلال قرارين من المجلس الأعلى للجمارك (/61/ و62/2020). إثر ذلك تقدم عدد من الناجحين يبلغ 9 جاء ترتيبهم في نتائج المباريات قبل ترتيب من تمت تسميتهم في القرارين، بمراجعة أمام مجلس الشورى، وذلك عن طريق وكيلهم القانوني المحامي الدكتور حلمي محمد الحجّار. في العام 2023 صدر قرار مجلس الشورى بقبول المراجعة، أي تم إبطال القرارين رقم 61 و62/2020 الصادرين بتاريخ 24/8/2020 عن المجلس الأعلى للجمارك والقاضيين بتعيين خفراء جمركيين متمرنين. وأبطل قرار مجلس الوزراء رقم 9 تاريخ 14 تموز 2020. واعلان حق المستدعين بالتعيين في وظيفة خفير جمركي متمرن وتسوية وضعهم على هذا الأساس”.

وهنا تشير الأوساط الى ضرورة مراجعة بيان الوكيل القانوني للناجحين التسعة، المحامي حلمي الحجار، والذي يفنّد ويرد على كل التساؤلات المطروحة. والبروفيسور الحجار، مرجع قانوني، وسيرته الذاتية خير دليل، وهو من الفقهاء في القانون ومنشوراته تعد مرجعاً وتدرس أيضاً.

بالعودة الى خفراء الجمارك، تتابع الأوساط، بعد قرار مجلس الشورى تقرر تعيين الناجحين الـ 9، بعد اطلاع وزارة المالية وموافقة مجلس الوزراء على تعيين المستفيدين من القرار. الجدل بدأ من هنا، اذ أثير أن الى جانب من انتصر لهم مجلس الشورى، تم تمرير العشرات ممن كانوا قد تقدموا ونجحوا حينها، وأن هؤلاء جميعهم من طائفة واحدة، أي مسلمون.

وهنا تجدر الاشارة الى أن الجمارك تقول منذ 10 سنوات، ان لديها نقصاً في العديد، وبما قارب 50٪، فهذه التعيينات ضرورية لاستمرارية المرفق، وسبق أن نجح هؤلاء في مباراة الدخول. والاعتراض اليوم على التوازن بين المسلمين والمسيحيين، وأن هذه مخالفة دستورية واضحة وصريحة، اذ يرى الفرقاء المسيحيون أنه كان يفترض إجراء مباراة جديدة تراعي مقتضيات التوازن الوطني والعيش المشترك ويعلن عنها بصورة واسعة حتى يتاح لأكبر شريحة ممكنة التقدم الى الامتحان.

لكن الأوساط توضح أن وظيفة خفير لا تندرج ضمن الوظائف التي تراعي التوزيع الطائفي، فهي ليست من وظائف الفئة الأولى، وكان يجب منذ البداية، استدعاء الناجحين وفق الكفاءة والاختصاص، لا على الأساس الطائفي، وهذا أساسي وضروري لحسن سير المرفق العام.

بيان الحجار

وفي ما يلي بيان الوكيل القانوني للخفراء الجمركيين الفائزين بمباراة الدخول إلى الملاك المحامي الدكتور حلمي محمد الحجّار: “جاء في البيان الصادر عن مصلحة القطاع العام في القوات اللبنانية أن تعيين  خفراء في إدارة الجمارك من دون مراعاة التوازن الطائفي يشكل، كما ورد حرفياً في البيان: نسفاً للتوازن ولجوهر قرار مجلس الوزراء  رقم 9/220 الذي أورد في متنه بوضوح ضرورة مراعاة مقتضيات الوفاق الوطني والعيش المشترك.
وبصفتي وكيلاً عن تسعة من المستفيدين من قرار مجلس الشورى رقم 457/2022-2023 في المراجعة رقم 24338/2020، الذي حرّك ملف تعيين خفراء جمركيين، لا بد من التوضيح أن بيان مصلحة القطاع العام في القوات اللبنانية أغفل ذكر قرار مجلس الشورى سالف الذكر،  وللأمانة العلمية وتصحيحاً للمقطع المُشار اليه في البيان نفسه، وتوضيحاً للحقيقة نقول ان البيان أغفل ذكر قرار مجلس شورى الدولة المشار اليه أعلاه الذي يتمتع بالصيغة التنفيذية وبشكل أن الامتناع عن تنفيذه يشكل جرم الامتناع عن تنفيذ قرار قضائي.

وزيادة في التوضيح نعرض الوقائع الصحيحة لكيفية تحريك ملف التعيين بالاستناد الى قرار مجلس شورى الدولة: في العام 2018 أُجريت مباريات خطية لتعيين خفراء جمركيين في ملاك الضابطة الجمركية وأُعلنت النتائج، وكان الموكلون التسعة بين الفائزين؛ وفي العام 2020 أصدر المجلس الأعلى للجمارك القرارين/61/ و62/2020  بتعيين عدد كبير من خفراء جمركيين من دون أن يكون الموكلون بينهم، رغم تعيين عدد كبير من غير طائفتهم جاء ترتيبهم في نتائج المباريات بعد ترتيب الموكلين، مبرراً التعيين على هذه الصورة بضرورة مراعاة التوازن الطائفي بالاستناد الى قرار مجلس الوزراء المشار اليهم في بيان مصلحة القوات اللبنانية.

تقدمنا على الأثر بمراجعة أمام مجلس الشورى، وفي العام 2023 أصدر المجلس القرار سالف الذكر وهو يقع في اثنتي عشرة صفحة، وقضى القرار في منطوقه بـ:

1 ـ إبطال القرارين رقم 61 و62/2020 الصادرين بتاريخ 24/8/2020 عن المجلس الأعلى للجمارك والقاضيين بتعيين خفراء جمركيين متمرنين .
2 ـ إبطال قرار مجلس الوزراء رقم 9 تاريخ 14 تموز 2020 .
3 ـ اعلان حق المستدعين بالتعيين في وظيفة خفير جمركي متمرن وتسوية وضعهم على هذا الأساس.

ومن ثم أحال رئيس مجلس شورى الدولة الرئيس فادي الياس، بناءً لطلبنا، الصورة الصالحة للتنفيذ عن القرار لمقام كل من مجلس الوزراء وللمجلس الأعلى للجمارك للتنفيذ، وتتابعت المعاملة الى أن وصلت الى ما وصلت اليه.
أما بشأن ما يُردد دوماً بعض من كان في مركز المسؤولية الدستورية من فهمه لعبارة “وبشكل يراعي مقتضيات الوفاق الوطني والعيش المشترك” على أنها تعني المناصفة في جميع الفئات في الوظيفة وليس كما ورد صراحة في المادة 95 من الدستور التي حصرت المناصفة بوظائف الفئة الأولى، فللأمانة العلمية أورد هنا الاجتهاد المستقر لمجلس شورى الدولة الذي كان يعلن دوماً في قراراته بعد الطائف الحيثية التالية:

“وبما أن التمييز بين وظائف الفئة الأولى وسواها من الوظائف العامة، يعبّر بوضوح عن ارادة المشترع التأسيسي في حصر قاعدة التوازن الطائفي الدقيق، التي كانت معتمدة في ظل النص القديم للمادة /95/، بوظائف الفئة الأولى دون سواها، واعتماد قاعدة جديدة مرنة في سائر الوظائف العامة تعتمد الاختصاص والكفاءة وفقاً لمقتضيات الوفاق الوطني، وان تطبيق هذه القاعدة الجديدة يجب ألاّ يبقى قائماً على التوازن الطائفي والحسابي الدقيق الذي كان معتمداً في ظل النص القديم للمادة /95/ في كل مشروع أو قرار على حدة، وإلاّ لما كان من مفعول لتعديل أحكام هذه المادة وللتمييز بين وظائف الفئة الاولى وسائر الوظائف العامة لا سيما وأن مقتضيات الوفاق الوطني هي التي أملت إلغاء طائفية الوظيفة واعتماد الكفاءة والاختصاص في الوظائف العامة”.

ـ يراجع قرار مجلس الشورى رقم 626 تاريخ 13/5/2004 رقم المراجعة 6319/94 مجلة القضاء الاداري العدد عشرون المجلد الثاني صفحة 1119″.

شارك المقال