الأبراج البريطانية الحدودية (1) من ضرورة استراتيجية لسوريا إلى تهديد لأمنها القومي!

زياد سامي عيتاني

في وقت تتجه الأنظار نحو الحدود الجنوبية مع إزدياد وتيرة التخوف من إنفجار حرب شاملة بين “حزب الله” والعدو الاسرائيلي، جراء تصاعد المواجهات العسكرية وتوسعها، أثارت السلطات السورية في لحظة إقليمية فارقة قضية أبراج المراقبة التي أنشأتها بريطانيا على الحدود السورية اللبنانية، الممتدة من مصب النهر الكبير في الشمال إلى ما بعد منطقة راشيا في البقاع. فقد قدمت وزارة الخارجية السورية مذكرة مستعجلة الى وزارة الخارجية اللبنانية أشارت فيها إلى أن هذه الأبراج، التي كان مسكوتاً عنها طوال السنوات الماضية، باتت تمثل تهديداً لما أسماه “الأمن القومي السوري”. وبحسب الرسالة السورية فإن “المعلومات الناتجة عن هذه المعدات تصل إلى أيدي البريطانيين، ويستفيد العدو الاسرائيلي منها لقصف الأراضي السورية وتنفيذ ضربات في العمق السوري”.

وأثارت الرسالة السورية تساؤلات في الأوساط السياسية والديبلوماسية، ليس لجهة مضمونها وحسب، إنما أيضاً لجهة توقيتها، خصوصاً وأن تلك الأبراج قد بنيت عام 2013، على أثر اندلاع الحرب في سوريا وتزايد دخول عناصر من تنظيم “داعش” ومجموعات متطرفة إلى لبنان. إذاً، إنشاء هذه الأبراج المحصنة المتصلة بالأقمار الصناعية كان لمراقبة عبور أو حركة الأفراد والمركبات، وبالتالي ردع الجماعات الارهابية عن دخول لبنان من سوريا. والجدير ذكره أن الجانب السوري وافق على بناء أبراج المراقبة وكذلك “حزب الله”، عندما بدأ إنشاؤها عام 2013 في عهد قائد الجيش السابق جان قهوجي، واستكمل الجزء الأكبر منها بعد عملية “فجر الجرود” (ضد “داعش”)، بحيث شيّدت مراكز جديدة في الأماكن التي لم يكن للجيش اللبناني وجود فيها. وكان الهدف الأساس منها وقف التهريب وتسلل مسلحي “داعش” إلى الداخل اللبناني، وهي الآن تراقب حركة التسلل غير الشرعية والتهريب إلى لبنان، وشكلت بديلاً مساعداً عن العسكر، خصوصاً أن الحدود تحتاج إلى عدد كبير لمراقبتها.

ومكنت تلك الأبراج الجيش اللبناني من إحكام السيطرة على خط حدودي يتجاوز 100 كيلومتر يمتد من نقطة المصنع جنوباً (البقاع)، ويصل إلى أقصى شمال شرقي لبنان، وذلك بعد سنوات من التفلت الحدودي، الذي كان سبباً أساسياً في إدخال إرهابيي “جبهة النصرة” وتنظيم “داعش” إلى بلدة عرسال. فالدعم البريطاني للجيش اللبناني أسفر عن بناء 39 برجاً للمراقبة وعشرات المراكز العسكرية المتطورة تقنياً وفنياً. كذلك، ساهمت بريطانيا عام 2019 في تدريب 7000 جندي للعمليات الحدودية، وبناء 37 قاعدة عسكرية على إمتداد الحدود، إضافة إلى الأبراج العسكرية.

وفي هذا الاطار، أشادت السفارة البريطانية في لبنان بإنشاء هذه الأبراج التي اعتبرت جزءاً من مشروع الحدود المشترك الذي عزز سلطة الدولة اللبنانية على طول حدودها البرية مع سوريا، حيث نشرت أربعة أفواج حدود برية من الجيش اللبناني من الشمال في العريضة إلى الجنوب في جبل الشيخ. من جهتها، تؤكد مصادر مقربة من وزارة الدفاع اللبنانية التي لم تعلق على الرسالة السورية، أن لا صحة لما ورد من “اتهامات” في الرسالة، لأن الأبراج مشيدة داخل الأراضي اللبنانية، وبالتالي فإن الكاميرات المركزة عليها يقتصر مداها على تلك الأراضي، من دون الوصول الى العمق السوري. كما تنفي تلك المصادر بصورة قاطعة تزويد أجهزة المراقبة بريطانيا ومن خلالها العدو الاسرائيلي بالمعلومات الاستخباراتية، جازمة بأن الأبراج موصولة حصرياً بغرفة عمليات الجيش اللبناني، وبالتالي ما ترصده من معلومات تكون أيضاً حصرياً في متناول مديرية عمليات الجيش، لكي يتم تحليلها وبناء التوقعات على أساسها، لتزويد أفواج الحدود بالتعليمات العملانية وتنفيذها على أرض الواقع.

إنطلاقاً من هذه الوقائع المتعلقة بالأبراج، يستغرب المراقبون بشدة الرسالة السورية في هذا التوقيت، والتي تتضمن صياغتها عبارات شديدة، وهي الأولى من نوعها، بعد سياسة الحذر في التعامل مع الدولة اللبنانية منذ بدء التمثيل الديبلوماسي بين البلدين في العام 2009، وحتى خلال ذروة الحرب السورية.

بناءً عليه، فإن من المؤكد أن الهدف من ارسال الرسالة السورية ليس “الأمن القومي”، بعدما كانت الأبراج ضرورة إستراتيجية لسوريا في خضم الحرب على تنظيمي “داعش” و”النصرة”، للحد من تمددهما، خصوصاً وأن العدو الاسرائيلي يملك إمكانات هائلة من وسائل التجسس المتقدمة والمتطورة، التي تجعله على بينة بأدق المعلومات الأمنية التي تخدم “بنك” أهدافه، بدليل ما ينفذه من عمليات تستهدف مواقع عسكرية وحيوية، وإغتيالات لقادة ومسؤولين على إمتداد الأراضي السورية، التي بمجملها بعيدة عن الحدود اللبنانية.

  • لقراءة الجزء الثاني:

الأبراج البريطانية الحدودية (2) إستفاقة سورية على اقتراح انشاء أخرى مماثلة جنوباً

شارك المقال