الأبراج البريطانية الحدودية (2) إستفاقة سورية على اقتراح انشاء أخرى مماثلة جنوباً

زياد سامي عيتاني

إستفاقت السلطات السورية بصورة مفاجئة، بعد سنوات على الخطر الذي يمكن أن تشكله أبراج المراقبة البريطانية المنتشرة على الحدود السورية -اللبنانية من مصب النهر الكبير في الشمال إلى ما بعد منطقة راشيا في البقاع، على “الأمن القومي” السوري في أوج المواجهات العسكرية بين العدو الاسرائيلي و”حزب الله”، التي تزداد وتتوسع وتيرتها، والتي تجاوزت الخطوط الحمر، مع تمادي الغارات الاسرائيلية التي وصلت إلى بعلبك شرق لبنان. وذريعة السلطات السورية أن المعدات الاستخبارية التي تحويها منظومات الأبراج، تغطي مسافات عميقة داخل الأراضي السورية وتقوم بجمع المعلومات عن الداخل السوري، ما دفعها لإرسال رسالة إلى وزارة الخارجية اللبنانية، لمعالجة هذا الموضوع. كما زعمت الرسالة السورية أن هناك حضوراً لبعض الضباط البريطانيين في الأبراج، في وقت لعب فيه البريطانيون دوراً سلبياً تجاه دمشق وشاركوا مع الولايات المتحدة وقوى غربية أخرى في الحرب ضدها منذ العام 2011.

الرسالة طرحت عدة تساؤلات، وسط إستغراب مضمونها وتوقيتها، ما أدى بالمحللين الى ربطها بالتطورات المتصاعدة جنوب لبنان. وفي هذا الاطار، تؤكد مصادر “حزب الله” أن الهدف الأول والأخير لتلك الأبراج هو الحزب نفسه وسلاحه، منذ أن قرر الدخول العسكري في سوريا. وتقول: “عندما إندلعت الحرب السورية في العام 2011، اعتقد الغرب أن الرئيس بشار الأسد سيسقط بعد أشهر أو سنة أو سنتين، وأقلّه أنه لن يصمد طويلاً، ولذا بدأت الاستعدادات لمحاصرة حزب الله كخطوة إستباقية لِما بعد إسقاط الأسد”. وتكشف المصادر أن “بريطانيا ساهمت وحدها في تدريب 11000 جندي وضابط لبناني على العمليات العسكرية في حرب المدن، كما درّبت نحو 7000 جندي في العمليات الحدودية السورية وإنشاء فوج الحدود البرية”، مذكرة بأن ” وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط هيو روبرتسون زار لبنان بدءاً من العام 2013، للاطلاع على بناء 12 برج مراقبة للحدود وتجهيزها بأحدث المعدات الالكترونية والاتصال عبر الأقمار الاصطناعية المتصلة بقيادة الجيش اللبناني”.

وتعتبر المصادر أن “إنتصار محور المقاومة في سوريا، جعل حزب الله يكتسب خبرات عسكرية مهمة مكّنته من تطوير ليس قدراته وخبراته وحسب، بل معداته وصواريخه، بحيث استطاع تخزين عشرات الآلاف من الصواريخ، ومنها مئات الصواريخ الدقيقة الاصابة”. في المقابل، ووفق معلومات أوردها موقع الجيش اللبناني، فإن أبراج المراقبة المقدمة من بريطانيا والتي تمّ تشييدها على الحدود اللبنانية – السورية منذ العام 2012، مجهّزة بوسائل اتصال وكاميرات مراقبة، وقد مكّنت الجيش اللبناني وتحديداً أفواج الحدود البرية من تغطية ما يقارب 65 بالمئة من الحدود، بعدما كان قد درّب عليها أكثر من ستة آلاف من عناصر الوحدات الخاصة في الجيش.

ويندرج تشييد الأبراج في سياق الدعم البريطاني للجيش اللبناني عبر تقديم تجهيزات ومعدات عسكرية جرى تسليمها إلى ألوية الحدود البرية، من ضمنها آليات ودروع للأفراد وأجهزة لاسلكية وسواتر دفاعية وكاميرات مراقبة بعيدة المدى، وذلك بهدف منع كل العمليات غير الشرعية عبر الحدود ورصدها وضربها. وبحسب الموقع، تقوم أفواج الحدود البرية بمهمات خاصة لضبط الحدود عبر أبراج المراقبة ونقاط المراقبة الحدودية، وكاميرات المراقبة الثابتة والمتحركة الموزّعة على كامل قطاعاتها، مشيراً إلى أن عناصر الفوج يخضعون لتدريباتٍ ودورات خاصة تشمل المدافعة عن برج، والمهارات القتالية، والكاميرا المتحركة، ومراقبة الحدود وضبطها. كما ينفّذ الفوج دورات تدريبية حول نظام “دي تي أر أ” المعتمد في أبراج المراقبة، والذي يؤمّن المراقبة والاتصال بينها وبين قيادة الفوج والوحدات وقيادة الجيش.

خلافاً لموقف الجيش اللبناني، فإن مصادر “حزب الله” تربط بين تلك الأبراج، ومراقبة خطوط الإمداد التي تشكل الشريان الأساسي للحزب، خصوصاً في هذه الفترة، التي يخشى خلالها في أي لحظة من توسع المواجهات في الجنوب إلى حرب شاملة. وتعتبر المصادر أن “هدف بريطانيا هو تغطية نقاط الحدود لمحاصرة حزب الله وتدويل الأبراج وفرض الحصار على الحركة العسكرية للحزب تحت عنوان التهريب والمطالبة بدخول الجيش اللبناني كواجهة للهدف الرئيسي خلف المطالبة الصُوَرية، خصوصاً مع الحديث عن مشروع بناء إبراج إضافية تشرف على حمص والمناطق المحيطة بها، وهو ما يعتقد أنه سيستخدم إستخباراتياً لمصلحة العدو الاسرائيلي”.

إنطلاقاً من مقاربة “حزب الله” للأبراج البريطانية، فإن المحللين يرون أن “ظهور الهواجس الأمنية السورية بعد نحو ثلاثة عشر عاماً من بناء الأبراج، يرتبط بعرض بريطاني كان طرحه وزير الخارجية ديفيد كاميرون على الحكومة اللبنانية في زيارته الأخيرة إلى بيروت، والتي تضمنت إنشاء أبراج مماثلة على الجبهة الجنوبية بين لبنان وإسرائيل”. وكانت زيارة كاميرون إلى لبنان تندرج في سياق إعادة الهدوء إلى المنطقة الحدودية بين لبنان وإسرائيل، والتي تشهد تصعيداً منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة. ويتضمن المشروع المقترح تشييد أبراج ترصد بعمق خمسة كيلومترات داخل الأراضي اللبنانية وخمسة كيلومترات داخل الأراضي الاسرائيلية، على أن يبدأ العمل في بقعة صغيرة، ثم يتوسع على كامل الحدود.

وهنا يتوقف المراقبون عند الأبعاد الحقيقية للمذكرة – “الرسالة” التي أرسلتها الخارجية السورية إلى نظيرتها اللبنانية، مرجحين أن لا علاقة لها بمزاعم “الأمن القومي” السوري، إنما بالتطورات الميدانية في الاقليم، وضمناً جنوب لبنان، بالتزامن مع ما يطرح من مبادرات تتعلق بتبريد جبهة الجنوب، والحديث عن منطقة “عازلة”، ومنح الجيش اللبناني القدرة والامكانات للسيطرة الكاملة على الحدود مقابل تراجع دور “حزب الله”. وعليه، فإن المذكرة التي تلقاها لبنان، ما هي إلا رسالة إيرانية، بواسطة “بريد” وزارة الخارجية السورية.

  • لقراءة الجزء الأول:

الأبراج البريطانية الحدودية (1) من ضرورة استراتيجية لسوريا إلى تهديد لأمنها القومي!

شارك المقال