ماذا عن الأمن القومي اللبناني؟

صلاح تقي الدين

آخر ابداعات “الجارة” سوريا رسالة إلى لبنان تعترض فيها على الأبراج التي أنشأتها بريطانيا لدعم الجيش اللبناني في مراقبة حدود لبنان الشرقية والشمالية، بحجة أنها تشكّل تهديداً على أمنها القومي، فهل الأمن القومي اللبناني خارج أي اعتبار؟

ويبلغ عدد الأبراج التي موّلت الدولة البريطانية إنشاءها لمساعدة الجيش اللبناني على مكافحة الارهاب والتهريب على الحدود 39 برجاً، فتحججت الدولة السورية بأن هذه الأبراج تجمع المعلومات من العمق السوري، وتنقلها بريطانيا الى العدو الاسرائيلي وفي ذلك تهديد مباشر لأمنها القومي.

وتدرس الحكومة اللبنانية عبر وزارتي الخارجية والدفاع كيفية الرد على الرسالة السورية علماً أن بناء هذه الأبراج بدأ في العام 2009 بعد قرار قيادة الجيش اللبناني تشكيل فوج الحدود البرية الأول، ومهمّته الأساسية مكافحة عمليات التهريب المنتشرة على الحدود بين لبنان وسوريا في منطقة الشمال.

والجدير ذكره أن مكافحة عمليات التهريب عبر الحدود اللبنانية – السورية جاء ضمن القرار 1701 الذي صدر عقب وقف العمليات العسكرية في العام 2006 بين “حزب الله” والعدو الصهيوني، واستمر الجيش في بناء تشكيلات جديدة لأفواج الحدود البرية حتى بلغ عددها أربعة أفواج منتشرة على طول الحدود الشمالية، والشمالية الشرقية وصولاً إلى مدينة راشيا تنفيذاً لموجبات لبنان وفقاً للقرار الأممي.

واستناداً الى مصدر أمني لبناني، فإن هذه الأبراج لعبت دوراً رئيسياً في مساعدة الجيش اللبناني على مراقبة القوى الظلامية التي اجتاحت بلدة عرسال البقاعية وتتبعها، كما ساهمت في تحقيق النصر الكبير الذي أنجزه الجيش اللبناني في معركة “فجر الحدود” في العام 2017.

لكن عقب عملية “طوفان الأقصى”، تقدمت بريطانيا بعرض لإقامة أبراج على الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة شبيهة بالأبراج على الحدود مع سوريا، غير أن المصدر الأمني يؤكد أن “حزب الله” تمكن من إجبار الحكومة اللبنانية على رفض هذا الاقتراح على اعتبار أن الغاية من بناء هذه الأبراج قد تكون لمراقبة الداخل اللبناني وبالتالي كشف تحركات الحزب على الحدود الجنوبية وإيصال المعلومات عنها إلى العدو الاسرائيلي.

وربطاً بالحملة الاعلامية التي شنّها محور الممانعة قبل فترة وجيزة من الاعتراض السوري على الأبراج، والتي تركزت على الدور المشبوه الذي تقوم به هذه الأبراج من حيث قيام بريطانيا بتوفير معلومات عن تحركات الحزب ومقاتليه على الحدود بين لبنان وسوريا، يوضح المصدر أن الجيش اللبناني هو الذي يقوم بتشغيل هذه الأبراج وليس هناك أي وجود لجنود بريطانيين فيها، وبالتالي فإن المعلومات التي تتوافر من خلال هذه الأبراج هي ملك الجيش والدولة اللبنانية حصراً.

وفيما يشدد مصدر مقرب من محور الممانعة على أن هذه الأبراج تجسسية وبالتالي فإن احتمال أن يقوم العدو الاسرائيلي باستخدام المعلومات التي تتوافر في أجهزة المراقبة فيها قائم على اعتبار أن التطور التقني لدى العدو يمكنه من خرق الأجهزة المستخدمة للمراقبة في الأبراج والحصول على المعلومات التي تلتقطها، وهذا بحد ذاته يشكل خطراً كبيراً ليس على الأمن القومي السوري فحسب، بل على “حزب الله” ومقاوميه تحديداً.

ويقول مصدر في فريق المعارضة رداً على مزاعم سوريا و”حزب الله”: “إن هذه الأبراج لم تمنع الحزب ومن يدور في فلكه يوماً من وقف عمليات التهريب التي يقوم بها مناصروه على عينك يا تاجر مثل عمليات تهريب المازوت اللبناني المدعوم، وعمليات تهريب المخدرات وحبوب الكبتاغون تحديداً على الحدود اللبنانية – السورية، فلعل الاعتراض السوري له ارتباط بهذه الناحية التي استفاد منها مالياً ولا يزال”.

ويتساءل المصدر في حديثه لموقع “لبنان الكبير”: “إذا كانت حماية الأمن القومي لسوريا مسؤولية سورية محض، فماذا عن الأمن القومي اللبناني؟ أليس من واجب الحكومة اللبنانية أن تتولى مسؤولية حماية هذا الأمن ومكافحة التهريب بجميع أنواعه العسكرية والمخدرات؟”.

ويشدّد المصدر على أن فريق المعارضة ينتظر رد الحكومة اللبنانية على الرسالة السورية وإذا كانت ستشدّد على أن هذه الأبراج مقامة لضبط الأمن القومي اللبناني، فعند ذلك يكون المطلب السوري مجرد “حبر على ورق”، أما إذا كانت حماية الأمن القومي السوري وعمليات “حزب الله” أشد حاجة للبنان من الأمن القومي اللبناني، “عندها لكل حادث حديث”.

شارك المقال