اسرائيل نسفت قواعد الاشتباك نحو بعلبك وتتحدى “الحزب”!

جورج حايك
جورج حايك

بات الأمر واضحاً أن اسرائيل نسفت كل معادلات “حزب الله” وشعاراته، وخصوصاً بعدما قصفت أمس بنيته التحتية العسكرية في بعلبك، وقد سبق ذلك اغتيال مسؤول حركة “حماس” صالح العاروري في قلب الضاحية الجنوبية، ثم استهداف النبطية فالغازية – صيدا، بحيث أصبحت قواعد الاشتباك في مهب الريح!

توحي عمليات اسرائيل العسكرية ضد “الحزب” بأن لا سقوف ولا ضوابط ولا قوة ردع “الحزب” تقف في وجهها، ولا حتى الحليف الأميركي التاريخي للدولة العبرية “يمون” عليها، وتهديدات مسؤوليها من وزراء وعسكريين تبدو جديّة مع تصاعد وتيرة المواجهات يومياً من الحدود الجنوبية نحو العمق اللبناني. أما ردود “الحزب” فليست بحجم الضربات الاسرائيلية موضوعياً، إذ تتعامل معها اسرائيل على طريقة “الرطل بدو رطلين”، إضافة إلى اغتيالات تطال المسؤولين العسكريين في “الحزب” وكان آخرهم أمس المسؤول عن القطاع الشرقي حسن سلامي.

في المشهد العام، نرى أن اسرائيل بقيادة بنيامين نتنياهو تحاول أن تستدرج “الحزب” إلى حرب أكبر، فيما هو يلتزم بخطوط حمر “إيرانية” لا تريده أن يتجاوزها، كي لا يُقدّم لنتنياهو المبررات لتوسيع الحرب، ولكن من الواضح أن “الحزب” يبدو كمن يدخل إلى فم الأسد، مستفزاً له، بمعنى آخر لا يزال يلعب على حافة الهاوية، ويُغامر بلبنان لغاية في نفس محوره اللاهث خلف مكتسبات، لا أحد مستعداً لتقديمها إليه حتى الآن. وليس مستبعداً أن تجرّه اسرائيل إلى حرب وخصوصاً أن تصريحات المسؤولين الاسرائيليين أكثر من واضحة: لا هوادة في الحرب قبل تنفيذ القرار 1701 وتراجع “الحزب” نحو نهر الليطاني، وهذا ما أعلنه وزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت بصراحة: “سنكثّف إطلاق النار مع لبنان حتى لو أبرمت هدنة في غزة إلى أن يستسلم حزب الله!”. وهكذا يكون قد إنقلب السحر على الساحر، فتهدأ في غزة ويستريح الشعب الفلسطيني الذي أشعل “الحزب” جبهة الجنوب من أجله، ويبقى لبنان في مهب عاصفة النار الاسرائيلية من دون أن يدعمه أحد!

ويلفت الباحث في شؤون الأمن والدفاع رياض قهوجي إلى “أن اسرائيل نسفت قواعد الاشتباك منذ فترة طويلة، وهي تقصف بما يتناسب مع الأهداف التي حددتها لعملياتها في جنوب لبنان”، مشيراً إلى هدفين: “الأول إبعاد الحزب عن المناطق الحدودية، لذلك تعمد إلى قصف القرى الحدودية على نحو يومي، وهذا عمل ممنهج لتدميرها واخلائها من السكّان والمقاتلين، فتجعلها ورقة للتفاوض في مرحلة لاحقة، بحيث تُحدد من سيعود إليها ومن لا يجوز أن يعود مثل عناصر الحزب. أما الهدف الثاني فهو تقليص قدرات الحزب العسكرية، وهذا واضح من خلال استهداف مخازن الأسلحة التي تسمّيها البنية التحتية العسكرية”.

واللافت أن قصف بعلبك لم يأتِ من العدم أمس، ويوضح قهوجي أن “اسرائيل استهدفت القدرات الجوية للحزب”، وقد أتى ذلك بعدما أسقط مسيّرة اسرائيلية كبيرة، وهو أحضر منظومات جويّة من روسيا وإيران، وربما ما تسرّب إلى الاعلام منذ فترة عن نقل منظومة “بانتسير إس-1” الروسية المضادة للطائرات إلى “الحزب”، وقد استشعرت اسرائيل أن مضادات متطورة استخدمت ضد طائراتها من البقاع، لذلك قامت بالردّ عبر قصف هذه المنظومة في البقاع وضربت القدرات الدفاع الجوية لـ”الحزب” في بعلبك، ومن المؤكّد أننا سنشهد المزيد من هذه الضربات الاسرائيلية بصرف النظر إذا وجدت في الجنوب أو البقاع أو حتى بيروت، فأمر العمليات الاسرائيلية حازم بأن لا منطقة في لبنان خارج إطار الاستهداف!.

في المقابل، إتّجهت الأنظار نحو ردّ “الحزب”، فاختار قصف مقر قيادة ‏فرقة الجولان في نفح بـ60 صاروخ كاتيوشا، لم تُعرف الأضرار التي تسبب فيها، لكن قهوجي يرى أن “كل ردّ من الحزب يستتبعه ردّ اسرائيلي أكبر لاستعادة هيبة الردع، ولو أننا لا نزال بإنتظار ما هدد به الأمين العام للحزب حسن نصر الله بأنه يستطيع قصف إيلات، إلا أن لا شيء يضمن بأن ذلك لن يؤدي إلى توسيع دائرة القصف بصورة أكبر، علماً أن الحزب يعلم ذلك، ويسعى إلى عدم التورّط في حرب كبيرة، وأرى أنه سيلتزم بالضوابط التي وضعها لنفسه حتى يمنع إنفلات الأمور نحو حرب واسعة”.

لا شك في أن لبنان دخل في دائرة الخطر الأكبر، لأن اسرائيل تفضّل الخيار العسكري ولم تعد تعوّل كثيراً على المفاوضات الديبلوماسية التي لم تفضِ إلى نتيجة حتى اليوم. ويعتبر قهوجي أن ما قاله غالانت واضح بأن الجبهة اللبنانية لم تعد مرتبطة بحرب غزة، بل باتت لها حيثية قائمة بحد ذاتها، ولن يشمل وقف إطلاق النار في غزة الجبهة اللبنانية، وخصوصاً أن “الحزب” يضع شروطاً لوقف العمليات، ويقوم المفاوضون الفرنسيون والأميركيون بفتح نافذة للتهدئة والتوصّل إلى حلّ من خلال البحث في هذه الشروط.

قد تكون معادلة نصر الله بأن “الكلمة للميدان” مفتاحاً لحرب كبيرة وخصوصاً أن كرة الثلج تتدحرج يوماً بعد يوم، فإسرائيل لن تقبل بأقل من إبعاد “الحزب” نحو الليطاني لتضمن الأمان لمواطنيها في الشمال، فيما هو يريد أن يعود إلى مرحلة ما قبل 7 تشرين الأول 2023، وهنا العقدة التي تضيق سبل حلّها بالطرق الديبلوماسية لمصلحة الخيار العسكري!

شارك المقال