إيران قوية بالابتزاز

علي نون
علي نون

تقلل القيادة الإيرانية من أهمية وحجم الضربة التي أصابت مفاعل نطنز برغم أن الكلام يدور على تعطله وتراجع قدرته التخصيبية لشهور طويلة آتية… وسبق لتلك القيادة أن طمست الضربات المتتالية التي تعرضت لها سفنها المبحرة باتجاه سوريا وغيرها إلى  أن كشفها الاسرائيليون وتبين مع ذلك الكشف أن الأمر مستمر منذ سنتين تقريباً.

وعلى الجانب الآخر تستمر الغارات الجوية الإسرائيلية على مواقع وأهداف تابعة لإيران وميليشياتها المذهبية في سوريا وعلى الهواء مباشرة!

لكن في الحالتين: الكاتمة والمقللة والساترة في نطنز والبحر؛ والمعلنة والمفضوحة في سوريا، لم يتغير الأداء المضاد. ولم تنفعل الجمهورية الإسلامية إلى  الحد الذي يحاكي المحق والسحق الموعودين !

بين هذه وتلك، جرت عمليتا اغتيال قاسم سليماني ومحسن فخري زادة في عقر الدار.. ومع ذلك أيضاً لم يرق رد الفعل الإيراني إلى  مستوى الحدث الجلل! ولم يرَ العالم شيئاً ملموساً من خارج سردية الوعود بالرد في المكان والزمان المناسبين والافتراضيين حتى الآن.

وذلك في جملته يدل على أشياء إيرانية كثيرة أبرزها (ربما) ما هو معروف وصار معروفاً أكثر من أن طهران لا تقاتل من هو أقوى منها ! ولا في أرضها! ولا بأهلها! بل تفضل القتال بالواسطة وعن بعد وخارج حدودها الجغرافية والسياقات الكلاسيكية المعروفة. وهذا يعني العوالم السفلية حيث الأمن أولى من العسكر وحيث الخلايا المتحركة أنظم وأفضل من الجيوش الجرارة !

والواقع الذي زادت ضربة مفاعل نطنز تظهيره وإبرازه هو أن طهران قوية بالابتزاز والمفرق وضعيفة بالميزان العسكري التقليدي والجملة! تعرف كيف تبتز الأقوى منها من الخواصر الرخوة، وكيف تكبر الكلام للتعويض عن صغر الأفعال. وتعرف تماماً أن قوتها التدميرية هي تخريبية أولاً ودعائية ثانياً، وأن وضعها الاقتصادي والمالي والتنموي والعسكري التقليدي لا يخولها الدخول في محاولة ترجمة بعض ما تقوله إزاء الأعداء المحيطين بها والبعيدين عنها .

انحنت أيام دونالد ترامب ولم تتجرأ على خرق أي  سقف وضعه لا مباشرة ولا بواسطة أدواتها الميليشيوية تماماً مثلما فعلت غداة إعلان الأميركيين مسؤوليتهم عن عملية اغتيال سليماني في بغداد، ولا تزال تفعل الشيء نفسه تقريباً حتى مع إدارة جو بايدن الذاهبة إلى  التفاوض معها… بل المفارقة هي أن وزير خارجيتها محمد جواد ظريف أكمل مسار التقليل من أهمية ضرب مفاعل نطنز، وذهب مباشرة إلى  القول بوضوح أن تلك الضربة لن تؤثر على مسار المفاوضات الجارية لإعادة إحياء الاتفاق النووي… أي أنها في الحالتين، برغم التفلت في اليمن عبر تصعيد الأداة الحوثية وتيرة الاعتداءات البغيضة على السعودية، وفي العراق من خلال تبني ميليشيات مستحدثة عمليات قصف لمواقع تضم أميركيين، أبقت على أدائها المعتمد والمرتكز كما سلف القول على تجنب الدخول في مواجهة مباشرة مع الأقوى أو داخل الحدود القومية أو بالإيرانيين !

تريد طهران رفعاً للعقوبات القارصة ونقطة على السطر… كأنها تطلب علنا العودة إلى  التواطؤ الرسمي معها الذي كرسه السيئ الذكر باراك أوباما إزاء النقطتين الأبرز اللتين تهمان العرب وشعوب الخليج العربي والمسلمين بالإجمال: الدور الخارجي المحاكي والمسبب للنفوذ المرتجى والمطلوب بواسطة الميليشيا والمذهب! والسلاح الصاروخي الذي تفترض إيران أنه بديل عن قصورها وتراجعها في مجال الطيران الحربي، والذي لم تستطع ولا تستطيع التعويض عن قصوره وتراجعه لا عبر الروس ولا عبر الصينيين ولا غيرهم .

ولذلك تبتز القيادة الإيرانية العالم في واقع الحال بالمشروع النووي والذي تعرف أكثر من غيرها أنه مستحيل إقليمياً ودولياً وغير مسموح به حتى من أقرب حلفائها ومهما كلف الأمر! وانعدام الثقة بالنظام برمته يجعل من تلك الاستحالة حقيقة ثابتة. ولأن طهران تعرف ذلك وتلمسه (مثلما دلت ضربة نطنز) تستخدم تلك الورقة وتطلب من الدول المفاوضة “تفهماً متبادلاً” إذا صح التعبير والافتراض!… حتى لو امتلكت القنبلة النووية فهي لن تكون قادرة على استخدامها! المشروع وسيلة وأداة وليس هدفاً فعلياً. ويمكن في هذه الجزئية تصديق القول المركون تحت الخانة الدينية من أن امتلاك القوة النووية أو القنبلة الافنائية محرم شرعاً !!

بانتظار أداء إيراني معقول وطبيعي، يظل الافتراض الحزين قائماً بأن الجمهورية الاسلامية تفتك بحالها وبجيرانها وبالمسلمين عموماً، وتضيع ثرواتها وإمكانياتها وثروات العرب وإمكانياتهم على أوهام مدمرة… وبدلًا من أن تكون مصدر قوة داعمة، صارت مصدراً وسبباً لأفدح المصائب والخسائر والكوارث في دنيا العرب والمسلمين في الإجمال.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً