الذكاء الاصطناعي: فصل جديد في تاريخ الحروب

الدكتور رامي أبودياب

لم يعد سراً أن إسرائيل تستخدم الذكاء الاصطناعي في الحرب التدميرية الحالية التي تشنها ضد غزة والاقليم وضد الشعب الفلسطيني.

ويبرز للحال سؤال أخلاقي عميق: لماذا لم يعد العلم في خدمة الانسانية في المقام الأول؟ لا يُعدّ هذا السؤالين ءء جديداً، ولقد جرى طرحه بالفعل أثناء استخدام الأميركيين القنبلة الذرية في اليابان خلال الحرب العالمية الثانية. الفرق هو أن في الوقت الحالي لا وجود لمنظمة دولية ولا معاهدة دولية تنظم الذكاء الاصطناعي وتضع قواعد لاستخدامه، الأمر الذي يطرح العديد من المشكلات الأخلاقية والأمنية والسياسية نظراً الى تزايد أهمية الذكاء الاصطناعي بالنسبة الى التطور العلمي والاستخدامات المزدوجة أو الحربية الخالصة.

1. الحرب على غزة ومواجهات جنوب لبنان: نقلة نوعية

بالنسبة الى عامة الناس، لا علاقة للذكاء الاصطناعي بالحرب. إنه مرادف خصوصاً لـ chatgpt، ويدفع الى امكان تحقيق تقدم ملموس في جميع مجالات الحياة الحيوية مثل الطب والتعليم والكهرباء. يرتبط الذكاء الاصطناعي بجميع الأنشطة البشرية، ومن المفترض أن يكون، على حد تعبير الأخصائية أسماء محلا، الأستاذة في معهد العلوم السياسية بباريس، “موجوداً وأساسياً في كل مكان”.

ووفق تعريف بسيط قدمه ستيوارت راسل، الأستاذ في جامعة بيركلي، الذكاء الاصطناعي هو “دراسة الأساليب التي تسمح لأجهزة الكمبيوتر بالتصرف بذكاء”.

كيف يهدف الذكاء الاصطناعي، وهو نتاج علمي خالص، إلى الدخول في مجال الحرب؟

قديماً، كتب مُنظِّر الحرب البروسي كارل فون كلاوزفيتز في القرن التاسع عشر أن “الحرب هي عمل من أعمال العنف يهدف إلى إجبار الخصم على تنفيذ إرادة من يبادر بالهجوم”، والذكاء الاصطناعي يجعل من الممكن زيادة أعمال العنف هذه.

وفي المجال الأكاديمي يطرح سؤال آخر: هل الذكاء الاصطناعي هو فصل جديد في الحرب مثلما كان البارود أو الأسلحة النووية في الماضي؟ حسب بعض الباحثين مثل لور دي روسي روشيجوند، الباحثة في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، فإن الذكاء الاصطناعي يمثّل ثورة بالفعل. إذ انه لأول مرة في تاريخ الحروب، يتم استخدام الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع وبصورة منهجية.

تستخدم إسرائيل الذكاء الاصطناعي لإجبار الفلسطينيين على الرضوخ لإرادتها، اذ كشف الموقع الاسرائيلي على الانترنت +972 عن استخدام منصة ذكاء اصطناعي تسمى Habsora باللغة العبرية (استناداً الى التعبير الانجيلي) من جيش الدفاع الاسرائيلي.

تعتمد المنصة على عدة مراحل: الأولى تتمثل في جمع البيانات مثل التنصت الهاتفي والالكتروني، والثانية تتمثل في التحقق من البيانات ومن ثم وضع قائمة الأهداف. والخطوة الأخيرة هي في صنع القرار الذي لا يتخذه الانسان بل الآلة. وهذه المنصة أصبحت المسبب الأكثر ترجيحاً للعدد الكبير جداً من الضحايا المدنيين وحجم الأضرار المادية. ويعتبر الاعلام الاسرائيلي أن اللجوء إلى هذه المنصة بمثابة “مصنع اغتيالات جماعية” ما يفسر نسبياً العدد الهائل من الضحايا المدنيين، وينم عن رغبة سياسية في إحداث صدى إعلامي وتأثير معنوي في الحرب النفسية.

2. الذكاء الاصطناعي وتنافس القوة بين الولايات المتحدة والصين

يسلط استخدام إسرائيل للذكاء الاصطناعي الضوء على أهمية التنظيم والتقنين في هذه القضية لحماية السكان المدنيين وفقاً للمبادئ الأساسية للقانون الانساني.

وقد ضبطت الأمم المتحدة مكمن هذا الخطر في يونيو/حزيران 2023 من خلال تنظيم الاجتماع الأول لمجلس الأمن الدولي المخصص للذكاء الاصطناعي في 18 يوليو/تموز 2023. وكان الأمين العام أنطونيو غوتيريش قد توقع بصورة صحيحة ما يحدث في غزة الآن، اذ تكلم حينها عن خطر “الاستخدام الخبيث”: ” يمكن أن يؤدي استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي لأغراض إجرامية أو إرهابية للدولة إلى موت ودمار مروعين، وصدمات نفسية واسعة النطاق، وأضرار نفسية عميقة على نطاق لا يمكن تصوره”. ودعا أيضاً في ذلك المؤتمر إلى إنشاء مجلس خاص بالذكاء الاصطناعي، يهدف إلى تسهيل تنظيم وإدارة استخدام الذكاء الاصطناعي العسكري مع الحد من انتهاكاته المحتملة. وهذه الدعوة لا تزال حبراً على ورق لأنه لا وجود لإجماع بين القوى العظمى حيال هذا الموضوع .

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2023، نشرت الولايات المتحدة بياناً لتعزيز الاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي. وأيد حلفاء واشنطن هذا البيان، لكن هذا لم يكن الحال مع إسرائيل بالذات. وفي غياب التنظيم الدولي، هناك الآن صراع شرس بين الصين والولايات المتحدة. إذ يقضي توجه بكين بدمج البعدين الاقتصادي والأمني ​​بصورة متماسكة. وتتمثل استراتيجية واشنطن في الحفاظ على التفوق التكنولوجي على الصين. في أغسطس/آب 2023، منعت وزارة الخزانة الشركات الأميركية من الاستثمار بحرية في التكنولوجيات الأكثر تقدما، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي في “البلدان التي تعاني من مشكلات”، مثل الصين.

التقدم الأميركي في هذا المجال لا يزال في أوجه بالقياس إلى الصين وغيرها. وفي العام 2017، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن الرائد في مجال الذكاء الاصطناعي سيكون سيد العالم.

توصيتنا لجامعة الدول العربية ولصنّاع القرار في العالم العربي أن يأخذوا في الاعتبار هذه الفرصة العظيمة، ولكن التنبه في الوقت نفسه من هذا الخطر الكبير.

شارك المقال