“الأرض المحروقة” في الجنوب تمهيد للمنطقة العازلة؟

زياد سامي عيتاني

مع تصاعد الرقعة الجغرافية للمواجهة الميدانية بين “حزب الله” والعدو الاسرائيلي واتساعها، بحيث بات يخشى أن يسقط معها ما يعرف بـ “قواعد الاشتباك”، بعدما بلغ القصف الاسرائيلي قضاء بعلبك شرقي لبنان، يجب عدم تجاهل ما تسبب به العدو في مناطق شاسعة في الجنوب اللبناني من تدمير منظم وممنهج للمساكن والمساحات الزراعية، معتمداً في ذلك وإن بصورة بطيئة ومن دون إعلان ما يعرف بسياسة “الأرض المحروقة”، على غرار ما فعله في غزة، مع فارق كبير في حجم الدمار، وهذه السياسة تعرّفها الفديرالية الدولية لحقوق الانسان بـ”إستراتيجية عسكرية أو طريقة عمليات يتم فيها إحراق أي شيء قد يستفيد منه العدو عند التقدم أو التراجع في منطقة ما”.

سكان القرى الحدودية الذين اضطروا الى مغادرة منازلهم، يتحدثون كلما تفقدوا قراهم عن تدمير واسع للمنازل، وحرق هائل للمساحات الزراعية، وسط صمت مطبق من المسؤولين اللبنانيين. ولم يكتفِ الجيش الاسرائيلي بحرق الأراضي الزراعية من خلال قصفها، بل إعتمد أسلوباً آخر يتمثل في تسميمها بواسطة القنابل الفوسفورية، التي تعتبر بحسب مختبر أدلة الأزمات في منظمة العفو الدولية أكثر خطورة من القنابل العادية، لأن تعافي التربة والمياه من أضرارها يتطلب سنوات طويلة. فمنذ 8 إلى 23 تشرين الأول، شمل القصف بالفوسفور كل المناطق الحدودية وتتجاوز مساحتها 100 كيلومتر مربع، بغية تقويض النظام البيئي وفرصة إعادة نمو الأشجار.

وفي إحصاء للمنصة الوطنية للإنذار المبكر التابعة للمجلس الوطني للبحوث العلمية، منذ بدء العمليات العسكرية في الجنوب اعتباراً من اليوم التالي لعملية “طوفان الأقصى” في 8 تشرين الأول الماضي، وحتى 1 كانون الثاني من العام الجاري، فإن الجيش الاسرائيلي تسبب في حرق 800 هكتار من الأرض. وتتضمن المساحة المحترقة 24 هكتاراً من شجر الزيتون بعدد 5 آلاف شجرة، بعضها يعود إلى أكثر من 150 عاماً، إلى جانب 22,8 هكتاراً من أشجار الموز والحمضيات، والضرر الأكبر لحق بـ343,9 هتكاراً من السنديان المعمر. بدورها، وثّقت وزارة البيئة لغاية تشرين الثاني، أن إسرائيل أحرقت بالقذائف الفوسفورية 462 هكتاراً من الأراضي الزراعية والحرجية في البلدات الجنوبية الحدودية، والخسائر في تصاعد مستمر. وتتمتع هذه المساحة بأهمية بيئية عالية وتشكل مجالاً لعشرات آلاف أشجار الزيتون.

كذلك، يخشى من تسرب الفوسفور إلى خزانات المياه الجوفية، وأيضاً أخطار تلوث المياه السطحية التي تجري إلى الأنهر والجداول الموسمية أو تتجمع في مستنقعات وأحواض مائية صخرية تلجأ إليها للشرب أنواع لا حصر لها من الحيوانات والطيور، فضلاً عن الضرر الذي تلحقه بالنظم المائية وكائناتها. ويشير إحصاء المنصة الوطنية للإنذار المبكر التابعة للمجلس الوطني للبحوث العلمية الى أن الأسلحة المستخدمة في عملية الاستهداف تتوزع ما بين قذائف وغارات (2200)، وقنابل مضيئة حارقة (107)، وقنابل فوسفورية (73)، وقنابل فوسفورية بالاضافة إلى قذائف عادية (27).

وسياسة “الأرض المحروقة” من العدو الاسرائيلي، تسببت في هجرة سكانية واسعة، بحيث أظهر تقرير المنظمة الدولية للهجرة الأممية الصادر نهاية تشرين الأول الماضي، أنّ عدد النازحين بلغ أكثر من 29 ألفاً، يتوزّعون على مناطق جنوبية غير حدوديّة، واختار آخرون النزوح إلى بيروت وضواحيها أو مناطق صوب الشمال وجبل لبنان.

إن ما يشهده الجنوب هو إبادة لمقومات الحياة في قراه الحدودية المستهدفة، بهدف جعل المنطقة فاقدة لامكان العيش فيها. والمستغرب أنه على الرغم من هذا التدمير الذي طال غالبية القرى المجاورة للحدود، لم يتم التعاطي مع هذا الحدث الخطير بمسؤولية لا من لبنان الرسمي، ولا من “حزب الله”، ما يطرح علامة إستفهام كبرى، إزاء القفز فوق ما ألحقه العدو الاسرائيلي من تدمير هائل، في وقت تتمسك فيه حكومته بما تسميه “المنطقة العازلة”، بحيث أن كل المقترحات التي يحملها المبعوثون الغربيون إلى المسؤولين اللبنانيين تتضمن هذا المطلب الاسرائيلي، معطوفاً على إنتشار ودور أوسع للجيش اللبناني. هذا ما يطرح السؤال: هل إعتماد سياسة “الأرض المحروقة” في البلدات والقرى الحدودية، مقدمة لـ “المنطقة العازلة”؟

شارك المقال