الفلسطينيون وذاكرة الحرب الأهلية: التاريخ يعيق المستقبل

زاهر أبو حمدة
كلام صورة: الهلال الأحمر الفلسطيني يساهم انقاذ المصابين بعد انفجار المرفأ

يستحضر بعض الساسة اللبنانيين الحرب الأهلية عند كل كباش سياسي، إما للتخويف أو للتحذير أو للتذكير. وبالتالي، لا بد من إدخال الفلسطينيين في أتون الصراع برضاه أو بجره للوقوف إلى جانب طرف ضد آخر. لكن الفلسطيني يرفض هذه المعادلة. ومنذ “اعلان فلسطين في لبنان” عام 2008، واعتذار السفير الفلسطيني حينها عباس زكي، عن أي أذى لحق بلبنان وشعبه؛ اعتمد الفلسطينيون ديبلوماسية “العمل المشترك” بالمفرق والجملة ومد الجسور مع جميع الأحزاب اللبنانية والدولة بمؤسساتها.

وبالفعل نجحت سياسة الحياد الإيجابي وعدم التدخل الفلسطيني بأكثر من امتحان أمني، منها أحداث 7 أيار 2008 الى تداعيات الحرب السورية والتفجيرات المتلاحقة، إلى أحداث 17 تشرين 2019 وما تلاها من تأزم وقطع طرقات. لكن بقي السؤال الذهبي من دون إجابات: ماذا يريد الطرفان من بعضهما؟

استطاع الفلسطيني أن يعلن مطالبه: علاقة سليمة ونيل الحقوق الإنسانية للاجئين حتى العودة الى بلده. العلاقة وُجدت عبر السفارة الفلسطينية وهيئة العمل المشترك، أما الحقوق ما تزال بعيدة المنال. لبنان الرسمي أي الأحزاب كافة، لم يستطع الخروج من الماضي. حتى الآن لم تقدم الأحزاب اعتذاراً مشابهاً لاعتذار زكي، وتحاول اللعب بورقة الفلسطيني عند أي اشتباك داخلي أو استثمار خارجي. ولأن اللبنانيين لم يعتذروا عن الأذى المقابل خلال الحرب الأهلية، بقيت العلاقة مبنية على إعطاء من دون أخذ. والأهم أن الملف الفلسطيني في لبنان يدخل في البازار الطائفي، ولا تكون النظرة للاجئ الفلسطيني كإنسان لديه أحلام إنما کـ”إرهابي” لا يعيش في مخيمات إنما في “جزر أمنية”. ومن المفارقات العجيبة في لبنان، أن ينظر جزء من المسيحيين الى الفلسطيني على أنه مسلم، ويرى قسم من الشيعة الفلسطيني أنه سني، أما غالبية السنة فيظنون أن اللاجئين في خندقهم، وهذا غير صحيح. ما يمكن تأكيده، أن النظرة الطائفية تتحول الى عنصرية فردية وجماعية تجاه اللاجئ.

وللأسف، لم يلعب الإعلام اللبناني دوراً في تحسين صورة الفلسطيني، بل شوهه في أحيان كثيرة. مثلاً، استطاع الفلسطيني صابر مراد، عام 2019، انقاذ طرابلس من تفجير انتحاري، وضحى بنفسه لإيقاف الانتحاري فأصيب بجراح بالغة. وبالتالي لم تذكر غالبية وسائل الإعلام اللبنانية أنه فلسطيني الجنسية، لكنها إذا اقترف أي فلسطيني خطأ على الأراضي اللبنانية تركز على جنسيته. هذا مثال على أحداث كثيرة تحصل بشكل دوري. وهذا مرده الى أن الخوف من الفلسطيني ما زال حاضراً. ومن المهم في ذكرى الحرب الأهلية اللبنانية، إخراج الفلسطيني من دائرة المتهم دوماً، إلى فضاء الشريك بالهموم المشتركة لا سيما المعيشية منها.

وكم كان جميلاً، بعد انفجار مرفأ بيروت أن تشارك الفلسطينيون مع اللبنانيين في إزالة الردم واستقبال الجرحى داخل مستشفيات المخيمات. هكذا نموذج يمكن تعميمه في شراكة تؤسس لمستقبل تعاوني، في وجه أي مخططات تستهدف الطرفين. ولكن الأهم هو نسيان الماضي واستخلاص العبر من التاريخ وألا يكون هو أرضية المستقبل. فما حصل قبل 46 عاماً لا يمكن تكراره، من الجانب الفلسطيني على الأقل.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً