مخيم البداوي في ظل الحرب الفلسطينية: الأولوية للقضيّة لا للتوترات الأمنية!

إسراء ديب
إسراء ديب

يرفض أهالي مخيّم البداوي زجّهم في أيّة روايات تُحيدهم عن التركيز على القضية الفلسطينية وتطوّرات حرب الابادة التي تُواجهها غزة في الأشهر الماضية، فهذا المخيّم المعروف بأنّه الأكثر تنظيماً محلّياً، لا يتقبّل حدوث أيّة تجاوزات أو خلافات بينه وبين القوى الأمنية والعسكرية، كتلك التي حدثت منذ ساعات وأشعلت حالة من التوتر بسبب عمليّة إطلاق نار بين شخص من التابعية الفلسطينية والجيش اللبناني، وذلك عند نقطة الحاجز في منطقة الريفا (المعروفة بخطّ التماس التقليديّ بين جبل محسن وباب التبانة سابقاً).

ويعتبر سكان مخيّم البداوي الذين استنكروا هذا التصرّف، أنّ هذه الحادثة لا تُمثّل أبناء الشعب الفلسطيني الذي لا يشغل فكره أو سلوكياته أخيراً، إلّا بمستجدّات الحرب المخيفة التي حدثت لأبنائهم عن قرب عبر حربيّ الابادة والتجويع من جهة، وعن بُعد عبر الضرر الذي أحدثه الحديث عن وقف تمويل وكالة “الأونروا” من جهة ثانية.

وفي تفاصيل الحادثة (التي تابعها الطرابلسيّون عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعد كشف كاميرات المراقبة تفاصيل الاعتداء وكيفية حدوثه وانتهائه)، تمكّنت قوّة من الجيش من توقيف الفلسطينيّ (ع.ع.) بسبب حيازته مسدّساً حربيّاً من دون ترخيص، الأمر الذي أغضب صديقه الفلسطيني (م.ك.) الذي كان يُرافقه بالسيارة عند مروره لدى الحاجز القريب من مخيّم البدّاوي (عند أطرافه)، إذْ احتجّ (م.) على عملية التوقيف ومصادرة السلاح من صديقه، ما دفعه إلى التوجّه إلى المخيّم، وإحضار بندقية ليُطلق النّار باتجاه الحاجز فردّت العناصر بالمثل عليه، لتُصيبه هذه الرصاصات في قدمه وبطنه، لكنّه كان يُقاوم هذه الضربات، فيقع على الأرض ثمّ يُحاول النهوض من جديد والتوجّه سريعاً إلى المخيم الذي لم يتقبّل سلوكه خصوصاً في ظلّ الأزمات التي يعيشها الفلسطينيّ في هذه الفترة العصيبة التي يشهد فيها على حرب طاحنة انعكست على العالم أجمع.

وفي وقتٍ أعلنت فيه قيادة الجيش نقله إلى مستشفى الهلال الأحمر الفلسطينيّ لمعالجته بالتنسيق مع القيادات الفلسطينية في المخيّم، أكّدت القوّات الأمنية المشتركة نقل مطلق النّار إلى مستشفى طرابلس الحكوميّ لتلقّي العلاج، مع المباشرة بالتحقيقات بعد مصادرة المضبوطات.

عضو المكتب السياسي لـ “الجبهة الدّيموقراطية لتحرير فلسطين” أركان بدر، استهجن هذا التصرّف وأيّ سلوك يستهدف إحداث توتر أمنيّ، حاله كحال أيّ فلسطينيّ يعيش في لبنان، وقال في حديثٍ لـ “لبنان الكبير”: “إنّه تصرّف فرديّ مردود على صاحبه وهو مدان قطعاً، لذلك لا ولن يُؤثر في علاقاتنا الأخويّة بيننا وبين الجيش اللبناني الشقيق الذي تربطنا به علاقات طويلة ومهمّة تستند إلى حقوق وواجبات مشتركة، كنّا وما زلنا نؤكّد فيها أنّنا ضيوف في هذه البلاد العزيزة”.

وإذْ أعاد ذكر تفاصيل الحادثة التي أحدثت خضّة غير مرغوبة في المخيّم الذي يُعاني الأمرين معيشياً وإنسانياً، شدّد على أنّ مرتكب هذا الفعل، مرفوع عنه الغطاء السياسي، الجماهيري، والشعبي، “لأنّنا سنحافظ على علاقاتنا بالقوى الأمنية، والأخوة في مخابرات الجيش قاموا بواجبهم ضدّ سلوك مستنكر ولا يُمثلنا لأنّه يندرج تحت بند التصرّفات المرفوضة وغير المقبولة أو المبرّرة”.

أضاف: “لا يُمكن أن نغفل عن أولوياتنا حالياً في لبنان على الصعد كافّة منها الشعبيّة، السياسيّة، والفصائلية، وهي مرتبطة بضرورة الحدّ من حرب الابادة التي تضرب غزّة وأهلها، وبالتالي نحن جزء من التحرّك الوطنيّ المقاوم لندعم مقاومتنا في كلّ من غزّة (التي يستهدفها العدو لإبادتها وتهجيرها نحو مصر)، والضفة الغربية (المستهدفة لجهة التهويد والتهجير القسري إلى الأردن)، إضافة إلى معاناة واضحة مسجّلة من 6 ملايين في الشتات عبر التصويب على وكالة الغوث ومحاولة تصفيتها بأيّ شكل، لذلك نعتبر أنفسنا في قلب الحدث ونناصر غزّة ونضالها الوطنيّ ضمن مشروع حقّ العودة الفلسطينيّ والذي نجد أنفسنا أقرب إليه حالياً بالفعل منذ 7 أكتوبر عقب استراتيجية نوعية، يُعنى كلّ فلسطينيّ بها لتحقيق وحدة الصف الفلسطينية”.

واعتبر أنّ “المخيّمات تُواجه معاناة إنسانية قاسية، خصوصاً وأنّ لبنان يُعاني أيضاً، في وقتٍ يرزح فيه اللبنانيون تحت وطأة أزمات مختلفة، في مقابل الحرمان التراكميّ الذي يعيشه الفلسطينيون في مخيّماتهم، ليُحرموا من أبسط حقوقهم الانسانية منذ أعوام”.

وأشار مصدر أمنيّ لـ “لبنان الكبير” إلى أنّ التحقيقات بدأت مع مطلق النّار وهي مستمرّة لكشف خلفية فعله، متوقّعاً عدم وجود خلفية تُحيط بعملية إطلاق النّار (حتّى اللحظة وفق معلوماته الأوّلية)، لافتاً إلى أنّ عملية تسليم (م.) جاءت في سياق تعاون واضح ومعتاد بين مخابرات الجيش والفصائل الفلسطينية التي حافظت على الهدوء الذي عكّر صفوه أحد المخالفين والمعتدين والذي أُطلق النّار عليه مرّات عدّة بغية توقيفه واعتقاله، وسط جهود واضحة نبذلها لبسط الأمن حتّى مع القوى الأمنية والفصائل”.

واستغربت أوساط طرابلسية وقوع هذه الحوادث الأمنية، وذلك على الرّغم من معرفتها بأنّ أهالي المدينة باتوا على موعد يوميّ مع مسلسل “الفلتان الأمني” الذي لا يقتصر على حيّ دون آخر أو على جنسية دون أخرى، إذْ تُواجه القوى العسكرية والأمنية شمالاً تحدّيات واضحة قائمة على مجموعة خروق معظمها يُنفّذ عبر الدراجات النارية التي أصبحت تُعكر صفو الحياة وطابع الاستقرار الذي لا بدّ من صونه بجدّية في فترة عصيبة لا يُستهان بصعوبتها وخطورتها أمنياً وشعبياً.

شارك المقال