إسرائيل تزيد من التصعيد تمهيداً لتوغلات برية؟ (٢/٢)

زياد سامي عيتاني

لجوء إسرائيل إلى عمليات توغل بري في لبنان، قد يتسبب في مقتل المزيد من المدنيين، بما يحفز “حزب الله” على تصعيد عملياته الانتقامية ضدها، وبالتالي يجعله يظهر قدرته على الصمود في وجه الهجمات وتعزيز شرعيته باعتباره مدافعاً عن لبنان. ولهذه الغاية حصّن “حزب الله” جزءاً كبيراً من جنوب لبنان بالمخابئ وغيرها من البنى التحتية المصممة للتخفيف من القصف المدفعي والجوي الاسرائيلي، ما يبقي طبيعة الضرر الذي يمكن أن يسببه الجيش الاسرائيلي مع هذا النوع من التصعيد غامضة، ويمنحه القدرة على مقاومة مثل تلك العمليات، خصوصاً وأن الوحدات الاحتياطية هي على الجبهة الشمالية حالياً، بينما تنتشر ألوية القيادة الشمالية، مثل لواء غولاني، في الخطوط الأمامية في غزة. كما قد تخلّف العملية البرية المزيد من الضحايا المدنيين، ما يزيد من عزلة إسرائيل ديبلوماسياً ويدفع الحكومة اللبنانية إلى الاقتراب من دعم “حزب الله” بدلاً من الضغط عليه للانسحاب، إضافة إلى حشد المواطنين والسياسيين اللبنانيين لدعم الحزب كما فعلوا في حرب 2006.

لكن إسرائيل التي لا تزال عاجزة عن تحقيق انتصار إستراتيجي عسكري ضد حركة “حماس” في غزة (ما عدا تدميرها وتهجير سكانها، فضلاً عن قتل وجرح عشرات الآلاف من المدنيين)، تسعى الى تكثيف عملياتها في لبنان كماً ونوعاً، لإستدراج “حزب الله” الى حرب شاملة، مراهنة على تدخل عسكري أميركي لمساندتها ودعمها، لا سيما في حال دخلت إيران في المواجهة الى جانب الحزب، إذ لولا وجود الأساطيل الأميركية في البحر، لما تجرأت إسرائيل على توسعة نطاق إعتداءاتها وعملياتها، لا سيما أن الحزب سبق أن بُلغ تهديدات واشنطن بأنها ستقاتل مباشرة مع إسرائيل إذا ما شن حرباً واسعة عليها.

وعليه، فإن إسرائيل تحاول كسر قواعد الاشتباك وتوسعة جبهة العمليات، تحقيقاً لرغبتها في تغيير المعادلة القائمة، ولجر “حزب الله” نحو مواجهة مفتوحة وفق التوقيت الاسرائيلي. كما أن إسرائيل تسعى الى ابتزاز المجتمع الدولي واستغلال الدعم الأميركي بنقل المواجهة إلى الجبهة الشمالية مع “حزب الله”، غير آبهة لحتمية توسع المواجهات الى حرب إقليمية من خلال فتح معركة مع إيران، التي لن تقف مكتوفة الأيدي في حال إستدراج الحزب الى حرب شاملة.

ويبقى السؤال: هل يقدم رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو المأزوم سياسياً وعسكرياً، جراء مستنقع الحرب ضد “حماس”، على مغامرة بشن خروق برية داخل العمق اللبناني؟

يستبعد المتابعون للتطورات في المنطقة هذا الخيار في المدى المنظور، ما لم يحقق نتنياهو إنجازاً نوعياً في غزة وتحقيق كل الأهداف العسكرية الرئيسية، وحتى يتأكد من الدعم الديبلوماسي الأميركي الكامل، ليتمكن من تأسيس غطاء سياسي داخلي، يدعم العملية. ولأن كل هذه الظروف غير متوافرة، ولأن اللاعبين الكبيرين أميركا وايران لا يريدان حرباً في لبنان، فهذا يجعل أي تصعيد إسرائيلي مرتجل محفوفاً بالمخاطر، لإدراكهما أنها ستؤدي الى حرب اقليمية، ما سيزيد الأوضاع تفجيراً وتعقيداً في المنطقة، وبالتالي ستسقط كل الجهود الديبلوماسية المبذولة لإيجاد تسوية سياسية.

بناءً على ذلك، فإن المواجهات بين إسرائيل و”حزب الله” مرشحة لمزيد من التصعيد، تحديداً من الجانب الاسرائيلي، الذي قد يلجأ إلى شن خروق برية محدودة على سبيل الابتزاز، بإنتظار ما ستؤول إليه نتائج حرب الابادة المفتوحة على غزة وانعكاساتها.

  • لقراءة الجزء الأول:

إسرائيل تزيد من التصعيد تمهيداً لتوغلات برية؟ (٢/١)

شارك المقال