قضية ثانوية طرابلسية “مهدّدة” وصلت لجنبلاط… و”التربية” ترفض “الطنّة والرنّة”!

إسراء ديب
إسراء ديب

لم يُبادر ذوو الحدث أو المعنيون في مدينة طرابلس إلى إثارة قضية طالبات “ثانوية المربّي فضل المقدّم الرسمية” اللواتي واجهن تهديداً كبيراً عقب ظهور مؤشرات تحذيرية على عدم سلامة المبنى الكائن في الزاهرية، فهذا الصرح التعليميّ الذي فيه أكثر من 300 طالبة و55 أستاذاً وأستاذة، كان قد تحوّل خلال الأسابيع القليلة الماضية إلى مادّة جدلية إعلامياً وتربوياً، في وقتٍ لم يُظهر فيه المسؤولون في المدينة أيّة مبادرة أو “دفشة” منهم للحدّ من تطوّرات هذه القضية المقلقة.

في الواقع، يخشى الأهالي على حياة بناتهنّ، في وقتٍ كانوا يحمدون الله خلال هذه الأيّام، على ظهور العلامات التي تُشير إلى خطر واضح يُحدق بأساسات المبنى أو طبقاته، خلافاً للحادثة المفجعة التي أودت بحياة الطالبة ماغي محمود في “ثانوية القبّة الثانية الرسمية للبنات” بعد انهيار سقف صفّها عليها، فكانت حادثة وفاتها صادمة ومؤلمة للغاية، لا سيما وأنّها كانت غير متوقّعة وتحوّلت إلى “إنذار” لا بدّ من تجنّبه في المدارس الرسمية التي تُعاني من الاهمال، وهذا ما تُؤكّده خطط البنك الدّولي التي لفتت إلى أهمّية تنفيذ عمليات الترميم في المدارس الرسمية بمشروع ينتهي عام 2021، إذْ كان لا بدّ من إنفاق ما يُقارب الـ 155 مليون دولار لبناء وترميم المباني الرسمية في 665 مدرسة، مع تفاصيل أخرى لم يلتزم بها القائمون على هذه العمليات “المعطوبة” سياسياً ومالياً.

وفي تفاصيل ملف “فضل المقدّم” التي أثيرت منذ شباط الفائت، ظهرت إشارات تُؤكّد عدم سلامة جدران الطابق الثالث في المبنى، فتمّ إرسال مهندسيْن: الأوّلى، مكلّفة من رئيس المنطقة التربوية شمالاً، والثاني من الوحدة الهندسية في وزارة التربية، وبعد كشفهما على المبنى، قرّرت الوزارة إقفال الثانوية بصورة كاملة بعد تشديدهما على عدم صلاحية متابعة التدريس فيها، من دون الحديث عن بديل أو تعويض لدروس الصفوف خصوصاً الدروس المرتبطة بصف البكالوريا، الأمر الذي زاد من حدّة التوتّر، ودفع الأهالي والطالبات إلى تنفيذهم اعتصاماً في 5 آذار الحالي للمطالبة بإيجاد حلّ لمسألة الترميم والإسراع في عودة الطالبات إلى صفوفهنّ، وذلك بعد مرور أسبوع على وقف التدريس.

تقرير المهندسيْن اللذين كشفا على المبنى، لم يكن واضحاً كما لم يكن “علنياً” أيّ أنّ الاعلام لم يرصده ولم يتمكّن من الاطّلاع عليه، كما لم تقم الوزارة بالكشف عن تفاصيله، لذلك كان مستغرباً إرسال مهندسين آخرين إلى المبنى بعد أكثر من أسبوعين على الإقفال، لتتراجع الوزارة فجأة عن قرار الاغلاق، وفتحت المبنى معتبرة أنّه “غير مهدّد بالسقوط” مع شرط إقفال الطبقة الثالثة الخطيرة والتي تحتاج إلى ترميم. وعادت الطالبات إلى الدراسة في الطبقتين الأوّلى والثانية كما في الأرضي أيّ في مكتب الادارة، النظّارة والمعلّمين، على بركة ومسؤولية الوزارة التي أعادتهن “شفوياً” إلى المدرسة التي سمع الطرابلسيّون عنها ثلاثة سيناريوهات: الأوّل، أنّ المبنى مهدّد بالسقوط بسبب تضرّر عمود أساسي، الثاني، أن الضرر وصل إلى عمودين وثلاثة، فيما لفت الثالث إلى أنّ الخوف يكمن في الطبقة الثالثة فقط.

يُمكن القول، إنّ عملية إرسال لجنة جديدة إلى مبنى الثانوية للمرّة الثانية (للكشف عن تفاصيل التشقّقات والنش الناتج عن تسرّب مياه الأمطار وانتفاخ حجم الحديد) وعلى الرّغم من كونها غير متوقّعة، إلا أنّها لم تكن لتحدث لولا مناشدة كان أطلقها السياسي خلدون الشريف للرئيس السابق للحزب “التقدّمي الاشتراكي” وليد جنبلاط للتدخل لحلّ هذه “المعضلة”، بحيث تمكّن الأخير من التواصل مع وزير التربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الأعمال عباس الحلبي، فأرسلت الوزارة لجنتها سريعاً، وفتحت المدرسة أبوابها بعد الحديث لأسابيع عن احتمال سقوطها وتهديدات تضرب أعمدتها وبعد الكثير من “الرعب”، تمّت العودة بلا ترميم، ما دفع الشريف إلى التساؤل عبر “لبنان الكبير”: على أيّ أساس أقفلت الثانوية وفتحت؟

ويقول: “كان من المفترض أن تبدأ أعمال الترميم الأسبوع الماضي، وهذا ما لم يحدث، لكنّ الحقيقة تُؤكّد أنّ التدخل السياسي لا يكفي أبداً، وأنّنا لا نملك حتّى اللحظة دليلاً قاطعاً وهندسياً يُؤكّد عدم وجود مخاطر، وبالتأكيد لا بدّ من حماية الطالبات والأساتذة، خصوصاً في وقتٍ نشهد فيه استخفافاً واضحاً من المعنيين لهذه القضية وغيرها في المدينة”.

التقرير الذي رُفع الى الوزارة، لم يدفعها في وقتٍ سابق إلى التحرّك بصورة جدّية أو نشر بيان واضح حول تفاصيل الموضوع، لكنّها أبدت امتعاضاً بعد تقارير إعلامية انتقدت تعاطيها مع الموضوع، فاعتبرت في بيان “أسطوريّ” (كان يُمكن وضعه على وضعية “الصامت” تماماً كإنجازاتها التي تتحدّث عنها)، أنّ “هذه التقارير ناتجة عن غيارى على التربية وعن أقلام مخرّبة تستعرض بطولات وهمية وغير دقيقة”. وأكّدت أنّ المتعهد المكلّف تنفيذ أعمال الصيانة والترميم سيُباشر أعماله الثلاثاء في 26 آذار (امس)، بعدما نقل المعدّات والمواد اللازمة إلى المبنى، مبرّرة تأخرّها عن الردّ أو استخفافها بالموضوع بغياب الاعتمادات المخصّصة للترميم والإصلاحات السريعة، وبمراجعتها هيئة الشراء العام بعدما وافق مجلس الوزراء على اعتمادات لهذه الغاية، مع العلم أنّ التقريرين اللذين صدرا عن اللجنة الأولى أو الثانية لا يتطابقان، أيّ أنّ الأطراف المعنية كلّها لا تُدرك ماهية الأزمة وأين يكمن الحلّ “الحقيقي”. وهنا يُطرح سؤال آخر، على أيّ أساس أو تقرير اعتمدت هذه الأموال؟ وهل ستُصرف بطريقة سليمة تقي المبنى من أيّة أخطار مستقبلية أم هي أعمال ترميمية لا تفي بالغرض المطلوب؟ وبالتالي إنّ “صمت” الوزارة الذي تُؤكّد اعتيادها عليه “حرصاً” على سلامة المعلّمين بعيداً عن “الطنّة والرنّة”، كان قد غاب ربما عن قضايا أخرى، كقضية الطفلة ماغي محمود أو التحدّث عن انهيار سقف في المنية منذ أشهر وغيرها من الحوادث التي تُقلق النّاس ويُمكن تحويلها للرأي العام، لا نفيها أو انتقاد من يُثيرها.

ووفق معطيات “لبنان الكبير”، فإنّ إدارة الثانوية تُبدي اهتماماً بهذا الملف، فيما يُؤكّد مصدر تربويّ لـ “لبنان الكبير” أنّ إدارات الثانويات أو المدارس تخشى إلقاء اللوم عليها أو تحميلها المسؤولية في حال إصابة مدرستهم وطلّابهم بأيّ مكروه، وهو ما كان حدث في قضية الطفلة ماغي (16 عاماً) ابنة جبل محسن التي قتلها الإهمال منذ أكثر من عام ونصف العام، ولم يصدر القرار الظنّي في قضيتها أساساً، “لكن يُقال انّه تمّ تحميل المسؤولية لإدارة المدرسة عوضاً عن تحميلها للوزارة والقائمين على هذا المجال، نظراً الى ادراك القاصي والداني أنّ مدرسة الأميركان كانت واجهت الحروب ومبناها قديم العهد ويُصنّف كتراثيّ أساساً”.

شارك المقال