الحسن الصباح وجاذبية الإرهاب!

أحمد عدنان
أحمد عدنان

قبل سنوات، حقق الصديقان المؤلف محمد البطوش والمخرج إياد الخزوز، مسلسلاً جميلاً اسمه “سمرقند” يتناول عصراً جمع 3 شخصيات تاريخية: رجل الدولة الوزير نظام الملك والشاعر عمر الخيام و”الإرهابي” الحسن الصباح. كان مسلسلاً متقناً قدم فيه الممثلون أفضل ما عندهم كعابد فهد وعاكف نجم، وحتى أصحاب الموهبة المحدودة كيوسف الخال وميساء المغربي، استطاع المخرج أن يقدمهما بأداء متقن، وكان النص المحكم هو الأساس لذلك العمل المتميز.

اليوم، تعرض الشاشات والمنصات مسلسل “الحشاشين” للمؤلف الصديق عبدالرحيم كمال والمخرج بيتر ميمي، والحق أنه عمل جودته لا غبار عليها.

تحدث كثر عن جودة التصوير والإخراج، ونص الأخ عبدالرحيم لا يحتاج إلى شهادة، ومن حيث التمثيل قدم أكثر الممثلين أداء ملفتاً، فتحي عبدالوهاب وأحمد عيد ونضال الشافعي وسوزان نجم الدين مثلاً، أما كريم عبدالعزيز فهو حقاً مفاجأة العمل لأنه يقدم للمرة الأولى في مسيرته شخصية كالحسن بن الصباح، وقد أدى الشخصية بسهولة وسلاسة وإقناع.

المهم أن أغلب الانتقادات الموجهة الى العمل ليست في محلها، فاستخدام اللغة العامية متعارف عليه في الأعمال المصرية، كـ “المهاجر” و”المصير” ليوسف شاهين، و”الزيني بركات” لجمال الغيطاني ويحيى العلمي، ولم يجد الأمر استهجاناً وقتها، ويمكن القول انه كان واجباً على صنّاع “الحشاشين” أن يقدموه باللغة العامية ليصل إلى أكبر شريحة ممكنة.

اما الانتقاد الثاني الذي لا يخلو من وجاهة، فهو عدم التزام المؤلف بالتسلسل التاريخي لبعض الأحداث مع بعض الفانتازيا، وهذا أمر متعارف عليه هو الآخر، فالعمل الدرامي ليس فيلماً وثائقياً وليس وثيقة تاريخية، والتأريخ أساساً ليس من أهداف الدراما. فيلم “الناصر صلاح الدين” ليوسف شاهين مثلاً ليس بينه وبين الوقائع التاريخية صلة سوى أسماء الشخصيات، ومع ذلك يصنّف ضمن أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية. أما المسلسلات التركية مثل “أرطغرل” و”عبدالحميد الثاني” فلو حاكمناها تاريخياً لألقيناها في سلة المهملات، ومع ذلك اعتبرت أعمالاً ناجحة لأنها حققت الجذب والإثارة والأهداف السياسية “المغرضة” لصناعها.

أما الانتقاد الثالث، فهو اختيار كريم عبدالعزيز لدور الحسن الصباح، بحكم أنه شخصية محبوبة وجذابة وبالتالي ستنسحب هذه الشعبية على شخصية “الإرهابي” الصباح، وهذا انتقاد يتناقض مع الواقع، فأغلب زعماء الميليشيات الإرهابية اليوم وفي الأمس، كانت الكاريزما من أهم سماتهم الشخصية، وإلا ما تمكنوا من استقطاب الأتباع والسيطرة عليهم، ويجب أن تكون كاريزماهم أكبر وأخطر ليلقوا أتباعهم في حفرة الشر والهلاك بلا مقاومة. فلو نظرنا إلى أغلب زعماء الميليشيات لوجدنا جاذبية ما بغض النظر عن استخدامات هذه الجاذبية، وفي أسامة بن لادن وحسن نصر الله مثالان واضحان، وهذه الجاذبية/ الكاريزما من العوائق التي تمنع أحياناً لفت الأتباع إلى ضلال جماعاتهم وإجرامها.

أراد عبدالرحيم كمال والمخرج بيتر ميمي تقديم قصة شيقة تحذر غير النخبة من أمثال الحسن الصباح والحشاشين وممارساتهم وقد نجحا في ذلك، وكان المشاهدون مشغولين بتساؤل هل نجح المؤلف في الإسقاط على جماعة الإخوان المسلمين بعينها أو لا؟ وهذا التعيين ليس مهماً، المهم أن تكون الرسالة قد شملت جماعات الإرهاب كافة في مختلف الأزمنة والأمكنة قدر المستطاع إخواناً كانوا أو لا، خصوصاً وأن اغلب تلك الجماعات يجمعها المنطق نفسه وإن اختلفت الثقافات، والمنهاج نفسه وإن اختلفت الشخصيات، وأتوقع أن المسلسل لو عرض في الدول التي تعاني من الميليشيات الإيرانية لوجد المشاهدون تطابقاً مباشراً وواضحاً إلى درجة تثير الدهشة، ولوجدوا بين الحسن الصباح وبعض زعماء الميليشيات الإيرانية تشابهاً مثيراً للرعب، وهذا هو معيار النجاح، إدراك المشاهد بأن ما يراه في التلفاز مع “الحشاشين” هو ما يعيشه في الواقع خارج التلفاز مع “الإخوان” و”القاعدة” و”داعش” و”حزب الله” وغيرهم. وللأمانة، فإن الجودة الفنية للعمل نصاً وإخراجاً وتمثيلاً أفضل وأهم من أغلب المسلسلات التركية التاريخية.

إلى الآن لم ينتهِ المسلسل، ولكن يحسب للمؤلف بالذات الشجاعة والصراحة في الإشارة إلى مسؤولية “الدولة” عن “نجاح” الميليشيات والجماعات الإرهابية واستمرارها، فقضية الإرهاب كما هي أزمة أفكار وأزمة أمن، هي قبل كل ذلك أزمة سياسة ودولة يستغلها الأشرار ويسقط فيها الحمقى، ربما رغب بعض المشاهدين في لفت النظر إلى أسباب نشأة الفرق الباطنية وازدهارها في حقب تاريخية وجغرافية بعينها خلال تاريخ المسلمين ودولهم، ولكن كما قلنا سلفاً، لا يهدف المسلسل إلى تقديم وثيقة تاريخية أو محاكمة دينية، ولعل اللوم على صنّاع المسلسل، يتلخص جدياً في شخصية “عمر الخيام”، إذ يبدو وكأن المسلسل يتبنى النظرة السلبية للمؤسسة العسكرية العربية إزاء النخب والمثقفين – وربما المدنيين عموماً في بعض الدول – لكن لعل المتبقي من الحلقات يثبت العكس.

شارك المقال