البعد الاستراتيجي للغارات على حلب (2)… رسالة تحذير للأسد من خطر ايران

زياد سامي عيتاني

منذ بدء النزاع في سوريا عام 2011 دأبت إسرائيل على شن المئات من الغارات الجوية في مختلف أنحاء البلاد، مستهدفة بصورة رئيسية أهدافاً إيرانيّة وأخرى لـ “حزب الله”، من بينها مستودعات وشحنات أسلحة وذخائر، إضافة إلى مواقع للجيش السوري، ولكن بأقل حدة. وطال القصف الاسرائيلي المطارين الدوليين في دمشق وحلب مراراً على مدى سنوات عدة، ووضعا لفترات طويلة خارج العمل الملاحي، بحجة عرقلة تدفق الأسلحة إلى حلفاء إيران وأذرعها العسكرية في المنطقة، وفي مقدمهم “حزب الله”.

وكانت دمشق تكتفي بالتنديد بالغارات الاسرائيلية التي تطال أراضيها، وتعتبرها عدواناً على سيادتها، وبمطالبة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي بالتحرّك لإلزام إسرائيل بالكفّ عن استهداف أراضيها الذي تصفه بـ”انتهاك سافر للقانون الدولي والقانون الدولي الانساني ولأحكام ميثاق الأمم المتحدة”.

ومع إندلاع حرب “إقتلاع” غزة وأهلها في السابع من “أكتوبر”، أصبحت أكثر عنفاً وإستهدافاً لقيادات ومراكز عسكرية حيوية وإستراتيجية لايران وحلفائها، بحيث نال “حزب الله” النصيب الأكبر من الاعتداءات الاسرائيلية.

في الوقت الذي يعتبر فيه “محور المقاومة” أنه “لا يمكن فصل ما يحدث من هجمات على الأراضي السورية عما يحدث في الاقليم ككل”، مبرراً نظريته بـ”ترابط الجبهات بالقضية المركزية، أي القضية الفلسطينية”.

ويؤكد (المحور) أن “التوقيت الاسرائيلي للاعتداءات التي كان آخرها وأوسعها الغارات على حلب مرتبط بمسرح العمليات العسكرية الذي يجتاح كامل المنطقة ويهدد بتوسيع رقعتها في جبهات محور المقاومة، وهو مطلب ورغبة إسرائيلية لإدخال لبنان وسوريا في حرب إقليمية واسعة تتخطى قطاع غزة وجبهة الجنوب التي لا تزال الى حد كبير مضبوطة بفعل الصبر الاستراتيجي الذي يمارسه حزب الله، لعدم تقديم خدمة مجانية الى رئيس حكومة العدو الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بإستدراج سوريا ولبنان الى حرب واسعة، جراء مأزق غزة”.

لكن المتتبع لمسار الضربات الاسرائيلية في الأسابيع الأخيرة، يلاحظ أن الهجمات التي كانت محدودة في السابق تكثفت في الآونة الأخيرة وتركزت بصورة أساسية على ريفي حلب ودير الزور، حيث ثقل وجود الميليشيات الايرانية، للتأكيد لايران من خلال ما تستهدفه في سوريا أن الصراع المستمر في غزة لا يعوق قدرتها على تعطيل تحركات الوكلاء.

كذلك، فإن إسرائيل التي تركز على انتقائية الاستهداف، بالفصل بين القوات السورية وأنشطة إيران والمجموعات التابعة لها، تريد أن تؤكد لدمشق أن الحرب ليست حربك ولا تتدخلي، وأن الهدف هو الوجود الايراني، وبالتالي فإن إستمرار أنشطة إيران و”حزب الله” في سوريا بات يشكل خطراً على دمشق وأمنها مع تراجع نفوذ الفصائل المعارضة للنظام.

والسؤال الذي يفرض نفسه إزاء الرسائل الاسرائيلية لدمشق بغض النظر عن إستهدافها للحرس الثوري الايراني والميليشيات التابعة له، هل بات وجودهم في سوريا عبئاً على النظام؟

يجيب المراقبون بأن تكثيف الوجود العسكري والمخابراتي الايراني داخل سوريا، وإعادة إنتشار الأذرع الايرانية وتموضعها في مختلف أرجائها، من دون رضا الرئيس السوري بشار الأسد، باتا يشكلان إحراجاً كبيراً له، خصوصاً بعد إنفتاح الدول العربية على النظام، وعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية. كذلك، فإن الأمر الواقع الايراني يربك الأسد أمام روسيا، كونه يخرق التفاهمات التي أبرمتها موسكو عن بعد مع تل أبيب، بشأن الجولان.

كذلك، يرى المراقبون أن الرئيس الأسد بات ممتعضاً من إستمرار النفوذ الايراني في سوريا من خلال الوجود الكثيف للمخابرات والحرس الثوري و”حزب الله”، بعد دخولهم إلى سوريا لمساعدة الأسد ومساندته في إستعادة سيطرته على الحكم والنظام،، ليتبين له بعد هزيمة غالبية التنظيمات المناوئة للنظام أن الهدف الأساسي لايران هو البقاء الدائم في سوريا، ترجمة لاستراتيجيتها المتمثلة في تمديد نفوذها في دول المشرق العربي من العراق مروراً بسوريا وصولاً الى لبنان، تعزيزاً لموقعها الاقليمي، لجعلها ذات تأثير كبير في خريطتها الجيو-سياسية، ولتفاوض الادارة الأميركية من الند إلى الند من الموقع القوي!

بات من المؤكد، أن الضربات الاسرائيلية في العمق السوري وإن طالت في بعض الأحيان أهدافاً للنظام، فهي لا تستهدفه، بل تستهدف بصورة مباشرة خطوط إمداد السلاح لـ “حزب الله”، وهي بمثابة إنذار لايران بأن “أي خطوة عبر وكلائها ضد إسرائيل ستكون باهظة الثمن من الناحية العسكرية”.

إقرأ الجزء الأول:

  • البعد الاستراتيجي للغارات على حلب (١)… إضعاف الأذرع الايرانية
شارك المقال