“حزب الله”: سياسة التخوين وسقوط الهالة

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

درج “حزب الله” وجمهوره على تخوين المعارضين لتوجهاته، وهو في ذلك لم يكن يأتي بجديد في لبنان، ففي السابق خون لبنانيون بعضهم البعض نتيجة الانقسامات في المواقف السياسية خلال الحرب الأهلية ودخول الأحزاب يسارية أم يمينية في محاور إقليمية لم تجلب لهم سوى الخراب والتدمير والآلام التي لا تزال تضج في البيوتات والقرى والمدن رغم مرور السنوات.

قد يقول قائل لماذا نكء الجراح صحيح؟ وعلى هذا الأساس جرى التسامح رسمياً بعيد اتفاق الطائف على عدم محاسبة عملاء إسرائيل، إذ كانت المحاكمات تقضي بصدور أحكام مخففة عنهم لا سيما من كان من الطائفة الشيعية التي هيمن حزب الله على قرارها مع حليفه حركة أمل، وكان يكفي للعميل الذي تعاون مع العدو الإسرائيلي وأفشى معلومات عن عناصر الأحزاب والمقاومين والمناضلين ضده، سواء نساء أم رجالاً، وقاد عناصر الجيش الإسرائيلي إلى أماكن خبأ فيها المقاومون سلاحاً ليستعملوه لاحقاً في عملياتهم العسكرية ضد الجيش الإسرائيلي، أن يزور المفتي ويعلن توبته حتى يفك أسره ويعود مواطناً صالحاً.

عملاء بسمنة وعملاء بزيت

هذا فيما مضى، أما العملاء الذين تم اكتشافهم في السنوات الأخيرة أمثال فايز كرم الذي كان رجل الرئيس ميشال عون المفضل والذي كان يجول بحرية مع حلفاء المقاومة والممانعة الجبابرة، دون سؤال و”من غير ليه”، كما يعرف الجميع صفقة إطلاق سراح العميل عامر فاخوري بطائرة خاصة، إلى العميل في جيش لحد جعفر غضبوني الذي غادر لبنان منذ حوالي الشهرين دون محاسبة، وكل هؤلاء في عصر “المقاومة” التي يبدو أن راداراتها تتعطل عن العمل إلا عندما يكون دورها في البحث عن العملاء أو توجيه الاتهامات بأوامر من مرجعيتها في إيران. 

يحيي التيماني والذباب الحاقد

لقد عمد حزب الله بالأمس في حفلة جنون هستيرية من “ذبابه الإلكتروني” على توجيه تهمة العمالة للشاب يحيي التيماني من بلدة شويا الذي اكتشف أمر راجمة الصواريخ وهي تتمركز في الأحياء السكنية لبلدته شويا، علماً أنه من مواليد 2004 وهو لم يعش فترة الاحتلال الإسرائيلي بالطبع فكيف يخوَّن؟، بينما عندما خرج العميل كرم من السجن رُفع على الأكتاف بحضور الحليف القوي جبران باسيل الرئيس المنتظر وكأن شيئاً لم يكن.

وتضج مواقع التواصل الاجتماعي بحكايات وتعليقات تضع لحزب الله النقاط على الحروف، فالتاريخ يشهد ويبدو أن هالة الحزب ومقاومته قد سقطت، وبعد انكشاف أدوار سراياه المقاومة في تخريب العلاقات مع بقية اللبنانيين بحجج واهية وحتى يتم التستر على مسؤولية الحزب في إيصال لبنان الى الجحيم خدمة لمشغله في الجمهورية الإسلامية.

تلك حكايته

وفي هذا المجال يتذكر أحد المقاومين من بلدة كفررمان عندما “كان المقاومون في جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية يتسللون بين كمائن قوى الأمر الواقع والتي تسمي نفسها اليوم مقاومة وكنا نعتبرها حامية حدود ومواقع الاحتلال، كم كان يكلفنا الانتقال لتنفيذ عملية ضد القوات الإسرائيلية من وقت وتعب جسدي مع كامل حمولتنا لنتلافى هذه الكمائن، إذ كنا نلتف عشرات الكيلومترات لنتخطى كمائنهم التي كانت تنصب لنا وليس للعدو الصهيوني”.

ويقول: “لقد اُعتقلنا وعُذبنا واستشهد لنا رفاق تحت التعذيب، وأتذكر كم عُذّب وأُهين زيد العبدالله عندما وقع في أحد كمائنهم، وأيضاً الشهيد فرج الله فوعاني الذي جرب كل سجونهم وجربوا به كل أساليب التعذيب”.

 ويتابع: “عندما كنا ننطلق بمهمتنا على منطقة وادي الحجير؟ أو من قرية صريفا والتي تبعد أكثر من عشرة كيلومترات نسير بها تحت أمطار شباط أو بحرارة آب فقط لأننا لا نستطيع أن نصل بالسيارات على قرية فرون المسيطر عليها من الثنائي، وفي إحدى المهمات على منطقة طير حرفا الجبين في القطاع الأوسط انطلقنا من قرية الشعيتية وبقينا أكثر من ثلاثة أيام حتى وصلنا إلى النقطة التي من المفترض أن نصل إليها بالسيارة، فقط لأن هذه المنطقة كانت مغلقة بكمائنهم، وعند عودتنا وقعنا بالأسر وأكلنا نصيبنا من التعذيب، وفي مرة أخرى وبنفس المنطقة كشفوا مخابئ أسلحتنا وسرقوها ونحن ننظر ولم يكن بإمكاننا أن نرد فقط لأننا كنا حريصين أن يبقى سلاحنا موجهاً إلى العدو الحقيقي”، مستذكراً ومتسائلاً عن الشهيدين أبو الزعيم أالكسي ومتسائلاً من قتلهما؟”.

وتوجه إلى الذين يتباكون اليوم ويهددون بعظائم الأمور أهالي قرية شويا فقط لأنهم أرادوا أن بحموا قريتهم من أي رد إسرائيلي متوقع في حال استمرت هذه الأعمال التي لا تخدم إلا طاغية لديه حلم بإعادة أمجاد أجداده بالأمبراطورية الإيرانية”.

وفي الوقت يوضح أنه في فترة قبل الانسحاب الإسرائيلي كان هناك مجموعات تسمي نفسها مقاومة، كانوا يأتون بسيارة ويقفون فيها أمام باب منزلنا في البلدة ثم ينزلون بأسلحتهم ويطلقون النار على موقع الطهرة ويرمون قذيفة ب 7 مداها قصير ثم يهربون لتبدأ اسرائيل بقصفها العشوائي على المنازل الآهلة في البلدة، وكنا نطلب إليهم أن لا يطلقوا النيران من بين المنازل، إلا انهم كانوا ينادون من النبطية في المذياع أن أهل كفررمان وقفوا بوجه المقاومين؟!”.

اغتيالات وإرهاب

يستذكر الكثير من المقاومين كيف اغتال حزب الله في أواسط الثمانينات مقاومين وأفرغ القرى من كل معارضيه في الأحزاب العلمانية، فاغتال قيادات وشرد عائلات وعذب شبان مقاومين وهدد وتوعد حتى حليفه في أمل منعه من العمل المقاوم، مصادراً واجباً وطنياً لكل اللبنانيين، وكيف جمع في صفوفه بعد وضع المقاومة في خدمة غيران بقايا الميليشيات من الطائفة الشيعية ليسند لها مهام أمنية خطيرة، لإرهاب المعارضين الشيعة والانتقام منهم بشتى الطرق حتى في تحصيل عيشهم اليومي وممارسة أعمالهم لا سيما أصحاب المهن الحرة وكيف سيطر لاحقاً على المناطق المحررة تحت شعار “جيش وشعب ومقاومة” ليضع يده على المؤسسات ويوسع دويلته شيئاً فشيئاً إلى أن هيمن على القرار اللبناني وبات البلد أسير سلاحه “المقدس” وإلا فتهمة الخيانة الوطنية جاهزة لمعاقبة كل من ينتقده والاغتيال لغة خبرها جيداً سواء معنوياً أو جسدياً.

 وإن كان لا بد من تعداد الأسماء فهي كثيرة منها بعد ثورة 17 تشرين اغتيال الباحث السياسي لقمان سليم، الذي واجه ضغوطاً وتهديدات وتحريضاً نتيجة مواقفه المعارضة واتهامه حزب الله بشكل مباشر، بالمسؤولية عن جلب مادة نيترات الأمونيوم إلى مرفأ بيروت.

تهم الخيانة وأساليب التهديد

كما حرض حزب الله جمهورة ضد من سماهم شيعة السفارة الذي أطلقه الحزب بعد ثورة الأرز 2005 وإثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وكان هؤلاء من الذين نشطوا آنذاك في اطار التحركات الشعبية لكشف الحقيقة وانشاء المحكمة الدولية، ومعظمهم من النخب السياسية والفكرية والدينية والإعلامية ثم توسعت دائرة الأسماء  لتضم الناشطين الشيعة الذين وقفوا الى جانب الثورة السورية ووقفوا ضد تدخل حزب الله لصالح نظام بشار الأسد في قتل السوريين، وقد جرى التضييق عليهم وعلى عائلاتهم ونال بعضهم تهديدات ولوحقوا حتى إن بعضهم هجر من منازله في القرى، وجرت شيطنة باحثين ورجال دين اتهموا بالعمالة لإسرائيل ويكفي ان نذكر هنا ما تعرض له العلامة علي الأمين على خلفية مشاركته في مؤتمر لحوار الأديان أقيم في البحرين عام 2019، وتحريك دعوى قضائية ضدّه قبل أن يتم التراجع عنها اثر التضامن معه.

ولم ينفد الإعلاميون من الاتهامات الجاهزة إذا أدلوا بمواقفهم من أمثال الإعلامية ديما صادق التي عانت من الجيوش الإلكترونية ومن غضب جمهور الحزب الذكوري الذي وجه إهانات شخصية وهددها بالقتل والتفجير.

لقد سقط حاجز الخوف عند شريحة واسعة من اللبنانيين فالتحرير مضى عليه 21 عاماً وحروب “لو كنت أعلم” ليعوض على الناس بحقائب الدولارات الإيرانية التي جلبها وزير خارجية ايران بالطائرات ما عادت تسد جوع الأطفال ولا تؤمن دواء لكبير في السن ولا تضيء منزلاً ولا تحرك سيارة ولا تزيل عطش الناس إلى وطن يعيشون فيه بسلام، بلد حر ومستقر وآمن لا ساحة لتلعب فيها إيران في حربها مع الولايات المتحدة.

شارك المقال