الصديق وقت الضيق

يارا عرجة
يارا عرجة

لم أرَ حليفاً أقرب من إسرائيل للأحزاب اللبنانية وتحديداً لـ”حزب الله” الذي كلّما كان في مأزق اندلعت الأحداث الأمنية فجأة لإنقاذه، إمّا داخلياً فتأخذ منحىً مذهبياً (كأحداث خلدة مؤخراً) وإمّا عسكرياً كاشتباكات مُمنهجة وتمثيليات تُلعب على الحدود مع إسرائيل. فكلّما اقترب فيلمه من الاحتراق، يلجأ الحزب الى   action والـsuspense، لإضافة نوع من الضبابية على المشهديّة التي مللنا من تكرارها، لتضليل الحقيقة وتلف الدلائل وتشتيت البوصلة. فيلم إيراني طويل.

يُقال إنّ الصديق وقت الضيق. هذا ما أشار إليه توقيت الاشتباكات في الجنوب يوم الجمعة المنصرم. فتزامناً مع سنوية تفجير 4 آب وفي ظلّ اتجاه الأنظار إلى التحقيقات المُدينة لحزب الله وتراكم الشعارات المُمهدة لمواجهات سياسية معه كانت قد تأججت بسبب أحداث خلدة، انشغل الرأي العام بالاشتباكات على الحدود الإسرائيلية التي اندلعت لإنقاذ الحزب من تداعيات مسؤوليته في تفجير المرفأ وتحريف العدالة التي تهددّ منظومة الفساد التي يحميها سلاح الحزب غير الشرعي. صحيح أنّه في بادئ الأمر، زعم البعض أنّ إطلاق الصواريخ “الخفيفة” نحو إسرائيل كان قد تمّ من قبل فصائل فلسطينية، مقدّمين بعض الدلائل كلبس الشبّان المدني واستخدامهم لأراضٍ غير شيعية للقصف، إنّما جاء كلّ ذلك لإبعاد الشبهات عن حزب الله. والدليل أنّه بعدما اعترض أهالي بلدة شويا راجمة الصواريخ، اضطر الحزب لتبنّي العملية. محليّاً إذاً، لـ”حزب الله” وإسرائيل مصالح مشتركة: إرباك الوضع الداخلي والقضاء على هيبة الدولة مثلما حصل مع الإفراج عن مُطلقي الصواريخ وتسليمهم للحزب.

أمّا إقليمياً، فالاشتباكات جاءت أوّلاً كردّ على الضربات الإسرائيلية في سوريا التي استهدفت مراكز إيرانية تصنّع الصواريخ والأسلحة. وهي تصبّ أيضاً في سلسلة العروض التي تقدمّها إيران لإظهار قوّتها في المنطقة بعد استهدافها للسفينة الإسرائيلية في بحر عمان، وعملية الخطف المحتملة لإحدى ناقلات النفط قبالة سواحل الإمارات العربية، بحيث صعد رجال مسلّحون إلى السفينة وأمروها بالتوجه إلى إيران (مع العلم أنّ العملية انتهت من دون أضرار) بالإضافة إلى قصف ميليشيات إيرانية قواعد أميركية في بداية شهر تموز الفائت. يشير الاستعراض الإيراني إلى تصعيد إقليمي بوجه إسرائيل لخلق الإرباك والتوتر في المنطقة، في حين توقّف المفاوضات الدولية مع طهران وانتظار تشكيل الرئيس المنتخب إبراهيم رئيسي حكومته الجديدة، ومحاولات نسف المفاوضات من جهة أخرى.

في جميع الأحوال، مع كلّ ما يقع من أحداث منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري وأحداث 7 أيّار وحرب تموز وحرب سوريا واليمن وتجارة الكبتاغون وتفجير 4 آب، أثبت “حزب الله” أنّه لا يمت للمقاومة بصلة، وأنّه مجرّد ميليشيا إرهابية تقوم بزعزعة الأمن في لبنان والمنطقة. تقلّصت شعبيته خصوصاً بعد تفجير المرفأ لعلمنا جميعاً أنّه مسؤول عن أطنان الأمونيوم التي يصدّرها لسوريا. وسقط عنه القناع مرّة أخرى مع الاشتباكات المذهبية الثلاثة التي افتعلها الأسبوع الفائت (أحداث خلدة وشويا والجميزة) والتي أكّدت رفض المكوّنات اللبنانية له ولسياسته: سنيّاً في خلدة، مسيحياً مع اشتباك القوات والحزب الشيوعي (بدلاً من حزب الله) ودرزياً في بلدة شويا. تبقى الطائفة الشيعية البيئة الحاضنة الوحيدة للحزب (نوعاً ما)، كونها ضحيته الأولى ولأسباب أخرى نستعرضها في مقال آخر لتعدديتها وتنوّعها.

شارك المقال