“التنقير” المسيحي و”بوصلة” جنبلاط

رواند بو ضرغم

تختلف العلاقة السياسية بين شريكي اسقاط اتفاق ١٧ أيار عن باقي العلاقات بين الأطراف السياسية الأخرى. فما بين رئيس حركة “أمل” نبيه بري ورئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” السابق وليد جنبلاط علاقة استثنائية متينة لا تحيد عن الخط الوطني مهما اشتدت الحركشات الدولية وأدواتها الداخلية.

وفي الوقت الّذي يتصاعد فيه الصوت المسيحي ويعلو في وجه المقاومة “الشيعية”، بدءاً من سيد بكركي البطريرك بشارة الراعي، الذي توعّد بعدم السماح باللجوء إلى الحرب بقرار شخص أو حزب، إذ إنه قرار الدولة في الحالات القصوى، مروراً برئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع الذي دعا الحكومة الى أن تطبّق فوراً القرار الدولي ١٧٠١ وأن تنشر الجيش على الحدود الجنوبية، وصولاً الى رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل الذي يبتز حليفه “حزب الله” ويكشف ظهره استراتيجياً ليحصد المكاسب السياسية الداخلية.

وبينما تقدم المقاومة الشهداء قرباناً على مذبح الوطن والانسانية نصرة  لفلسطين وغزة، يلعب باسيل في الأزقة الرئاسية والمصلحة الشخصية وينحدر بالخطاب الى حد القول: “عندما يعتقد أحد أن بإمكانه التحكم ببقية اخوانه المواطنين وينتصر على اسرائيل فهو واهم”.

في ظلّ هذه الأجواء المشحونة بسبب اختلال ميزان العقلانية لحساب الطائفية، يرتفع مؤشّر القلق عند وليد جنبلاط فيسارع الى زيارة عين التينة حيث يطمئن إلى الخطاب الوطني على الرغم من كلّ الاستفزازات، فيلتقي بالرئيس بري للإضاءة على العناوين الوطنية، علّ الآخرون يضعونها سقفاً لخطابهم في سبيل تقوية لبنان وتحصين الوحدة الوطنية في وجه العدو الاسرائيلي.

فبالاضافة الى الضغط الداخلي الذي يمارسه المسيحيون وبعض قوى المعارضة على “حزب الله” في محاولة لوضع أساسات “التنقير” على سلاح المقاومة وجعل جنوب الليطاني منطقة خالية من المسلحين… تلاقى بري وجنبلاط على هاجس الانتقال الى الحرب الكبرى بعد استهداف القنصلية الايرانية في دمشق والوعد بالرد على هذا الخرق للسيادة، وإن كان الرجلان متماسكين في وجه العدو في حال دفع الجنون الاسرائيلي الى توسعة الحرب والدخول البري الى لبنان.

وخلافاً لما يحاول “اليمين” اللّبناني تصويره، لم يقُل “حزب الله” يوماً انه ضد الالتزام بالقرار ١٧٠١، وأبلغ الرئيس بري كل الموفدين الدوليين الذين التقاهم أن تطبيق القرار يعني التزامه من الطرفين اللبناني والاسرائيلي، ما يعني أن المنطقة الخالية من السلاح في الجانب اللبناني تقابلها منطقة خالية من السلاح في الجانب الاسرائيلي، بالاضافة الى وضع حد للخروق الاسرائيلية المتكررة براً وبحراً وجواً، واسترداد الأراضي اللبنانية المحتلة. وهذا ما تلاقى به مع جنبلاط، الذي ذكّر من مقر الرئاسة الثانية باتفاق الهدنة عام 49 الذي يُملي على الفريقين اللبناني والاسرائيلي منطقة معيّنة من الحدود فيها حد من التسلّح. وفي كلام جنبلاط ما يفسر مقولة بري الدائمة: “في المفاصل الوطنيّة وليد لا يضيع البوصلة”.

شارك المقال