الاسراع في كشف ملابسات جريمة سليمان يقطع الطريق على الفتنة

زياد سامي عيتاني

في الوقت الذي تشخص فيه الأنظار إلى جبهة الجنوب، مخافة أن يأتي رد ايران على إستهداف العدو الاسرائيلي لقنصليتها في دمشق بواسطة ذراعها اللبنانية “حزب الله”، جاءت الجريمة المريبة التي أودت بحياة منسق “القوات اللبنانية” في جبيل باسكال سليمان بطريقة مأساوية، وسرعان ما أجّجت مناخاً محموماً من الغضب والمشاحنات والردود الانفعالية، لتنذر بفتنة، يخشى أن تهدد الاستقرار المهزوز، بعدما إستجرت استقطابات حادة في الشارع وفي السياسة عكست هشاشة الواقع في البلاد، التي بدت وكأنها على مفترق ينذر بفوضى يدبّر لها في الغرف السود، لإيقاظ الفتنة الطائفية وشبح الحرب الأهلية المشؤومة، عشية الذكرى الـ 49 لاندلاعها.

لم يكن ينقص لبنان هذه الجريمة الوحشية، لتأكيد المؤكد بما يعانيه البلد والمواطنون من تفلت وتسيب أمنيين، جراء الجرائم المنظمة من خطف وقتل وسرقة وسطو وتهديد ومصادرة الحريات الفردية، وما إلى ذلك من الأساليب الاجرامية المتعاظمة والمتزايدة، التي بات يهدد تفشيها الأمن والاستقرار والسلامة العامة، وحتى الوحدة الوطنية، بفعل إستقواء قوى الأمر الواقع على سلطة الدولة، بعدما إستعادت ممارساتها الميليشيوية المتحكمة بذهنيتها، والاحتكام إلى منطق القوة، مستفيدة من هيمنة “الدويلة” بفائض قوتها على الدولة “المستضعفة”، حتى بات لبنان مقسماً “نفسياً”، مع إزدياد مظاهر النفوذ والأمن المحليين في كل منطقة، تبعاً لهويتها الطائفية والحزبية.

لكن جريمة سليمان إنطوت على مخاطر جمة بحكم منصبه الحزبي، ما دفع الحزب الذي ينتمي اليه أي “القوات اللبنانية” وجمهورها إلى المسارعة الى تأكيد الدوافع السياسية للجريمة، حتى قبل الكشف عن تصفيته. وهذا ما برز من خلال المواقف السياسية والتحركات الشعبية. وسرعان ما قوبلت تلك المواقف بمواقف مضادة ليزداد المشهد تصعيداً وتوتراً، وتحديداً ما جاء على لسان السيد حسن نصر الله، في وقت كان المطلوب التسلح بالحكمة والتروي، لتهدئة التفوس وقطع دابر الفتنة. وهذا ما يؤكد الاستثمار والتوظيف السياسي المؤسف لجريمة بهذه البشاعة من فريقي الصراع على الساحة اللبنانية، في حين أن هذا التوظيف قوبل بمواقف مسؤولة من أطراف سياسية لا تلتقي في السياسة مع “القوات اللبنانية” وفي مقدمها الأمين العام لتيار “المستقبل” أحمد الحريري ورئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية ورئيس “التيار الوطني الحر جبران باسيل”.

إلا أن مسارعة قيادة الجيش الى كشف ملابسات الجريمة النكراء بصورة أولية، وتحديد هوية الفاعلين من التابعية السورية وتوقيف معظمهم وتسميتهم بالعصابة، دفع بالأمور إلى إتجاه آخر، لا يقل خطورة على الوضع الأمني مع الانطباعات الانفعالية للجريمة. لكن المتتبع للتطورات إستوقفته المواقف المشككة وإن بصورة غير مباشرة لرواية الجيش اللبناني، ما يعتبر سابقة خطيرة في التعامل مع المؤسسة الوحيدة المتبقية القادرة على حماية لبنان في ظل الفراغ الدستوري والمؤسساتي والسلطوي. وهذا ما بدا جلياً من خلال بيان حزب “القوات اللبنانية” الذي جاء فيه: “إنّ ما سُرِّب من معلومات حتى الآن عن دوافع الجريمة لا يبدو منسجماً مع حقيقة الأمر، إنما نعتبر استشهاد الرفيق باسكال سليمان عملية قتل تمّت عن عمد وعن قصد وعن سابق تصور وتصميم، ونعتبرها حتى إشعار آخر عملية اغتيال سياسية حتى إثبات العكس”.

وذهاب الأمور في هذا الاتجاه، دفع بالبطريرك الراعي إلى الدخول على خط التهدئة من خلال بيانه العقلاني، الذي جاء بعد سلسلة إتصالات تلقاها من قيادات سياسية وعسكرية أبرزها من قائد الجيش العماد جوزيف عون، وتوجه الى الجمهور المسيحي عموماً والقواتي تحديداً بالقول: “في هذا الظرف الدقيق والمتوتر سياسياً وأمنياً واجتماعياً ندعو الى التروي وضبط النفس، طالبين من القضاء والقوى الأمنية القيام بالواجب اللازم وإنزال أشد العقوبات بالمجرمين، ونطلب من وسائل الاعلام مشكورة عدم إطلاق تفسيرات مغلوطة وتأجيج نار الفتنة”، مضيفاً: “ان زوجته المفجوعة أعطت اللبنانيين أمثولة عظيمة برد فعلها: نحن أبناء القيامة، أبناء الرجاء. ولم تتلفظ بعبارة ثأر أو قتل”.

يشار إلى أن إتصالات مكثفة جرت مع الراعي، الذي سجل تواصل بينه وبين الرئيس نبيه بري، كما زاره قائد الجيش الذي أكّد له أن “أسباب الجريمة محصورة بالسرقة”. والموقف الحكيم والواعي للبطريرك الراعي دفع “القوات اللبنانية” الى الطلب من الحزبيين والمواطنين “الذين تجمعوا في الساحات وفي الطرق في محاولة للضغط على الجهات الخاطفة لعدم إكمال جريمتهم، ترك الساحات وفتح الطرق”.

من حق “القوات اللبنانية” التوصل إلى معرفة حقيقة وقائع هذه الجريمة التي طالت قيادياً بارزاً في صفوفها، كذلك من حق اللبنانيين، كل اللبنانيين أيضاً معرفة الملابسات التي أحاطت بالجريمة، التي لم تصب “القوات” وحسب، بل كل المجتمع اللبناني، فباسكال سليمان مواطن لبناني وعلى الدولة اللبنانية بأجهزتها العسكرية والقضائية، تبيان حقيقة الأمر. لكن المسارعة إلى القول إن هذه الجريمة هي جريمة سياسية، هو استباق للتحقيق والقضاء، واتهام جهات بأنها نفذت هذه العملية ليس في محله، ولا يخدم التحقيقات الجارية لتبيان الحقيقة. ولأن البلد على “كف عفريت”، والأجواء مشحونة والنفوس معبأة، فإن إسراع الجيش اللبناني، بعد إستكمال التحقيقات وتجميع المعلومات وتحليلها، الى كشف كل الملابسات التي أحاطت بالجريمة المدانة والمرفوضة من كل اللبنانيين، يقطع الطريق على الفتنة والفتناويين من جر البلاد الى ما لا تحمل عقباه.

في هذا الظرف الدقيق والمتوتر سياسياً وأمنياً واجتماعياً ندعو الى التروي وضبط النفس، طالبين من القضاء والقوى الأمنية القيام بالواجب اللازم وإنزال أشد العقوبات بالمجرمين. ونطلب من وسائل الاعلام مشكورة عدم إطلاق تفسيرات مغلوطة وتأجيج نار الفتنة.

شارك المقال