انسحاب قبل هجوم رفح

زاهر أبو حمدة

أثار انسحاب جيش الاحتلال من جنوب قطاع غزة ولا سيما مدينة خان يونس تساؤلات كثيرة حول الأسباب والأهداف وخططه العسكرية. تحضر الأسئلة لأن الانسحاب كان مفاجئاً نوعاً ما، ولأن مقاتلي المقاومة أعادوا تنظيم صفوفهم والسيطرة على غالبية المناطق التي انسحب منها الاحتلال. وفي نظرة سريعة على خريطة وجود قوات الاحتلال، نجد بقاء لواء الناحل في تقاطع “نتساريم” حيث يفصل شمال القطاع عن جنوبه.

أما الاحتمالات حول قرار الانسحاب من جنوب غزة، فيظهر أنه مرتبط بصفقة أصبحت وشيكة مع “حماس”، وهذا ظهر بعد الاتصال العاصف بين جو بايدن وبنيامين نتنياهو، فغضب بايدن تكشف بعد اجتماع “الكابينت” الاسرائيلي بسرعة والموافقة على ادخال مساعدات عاجلة إلى شمال غزة، وقدر عدد الشاحنات بـ419 شاحنة وهذا أكبر عدد منذ ستة أشهر أي منذ بدء العدوان، يضاف إلى ذلك توسيع صلاحيات الفريق المفاوض الاسرائيلي. أما الاحتمال الآخر وهو الأخطر أنّ الانسحاب يمهّد لعملية كبرى في رفح، وثمَّة احتمال أيضاً بأنّ “الانسحاب يهدف فقط إلى إطالة أمد الحرب، لخدمة حسابات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الشخصية” وهذا ما تشير اليه صحيفة “هآرتس”.

وبالنسبة الى المفاوضات، قدم مدير الاستخبارات المركزية الأميركية وليام بيرنز، اقتراحاً جديداً لصفقة تبادل يتضمن إفراج الاحتلال عن عدد أكبر من الأسرى الفلسطينيين مقابل إطلاق سراح 40 أسيراً محتجزاً. أما المعضلة الأساسية فكانت عودة النازحين إلى شمال غزة، ويقول مصدر فلسطيني إن “بيرنز قدم في اقتراحه عودة النازحين إلى الشمال من دون قيود ولكن ليس إلى بيوتهم إنما إلى مناطق يتفق عليها لاحقاً، على أن يكون العدد محدوداً ولا يتعدى الـ150 ألفاً فقط”. وعليه سترفض “حماس” المقترح العام، لأنه لا يتضمن وقفاً نهائياً لإطلاق النار وتقديم ضمانات لانسحاب الاحتلال من كل غزة وإعادة الاعمار ورفع الحصار. وبالتالي، ما يحصل هو شراء للوقت قبل الهجوم المحتمل على رفح، وهذا ما أكده نتنياهو أكثر من مرة. وسيكون فشل المفاوضات مبرراً للاحتلال للاجتياح مع أنه لا يحتاج الى مبرر.

وهنا، تبدو المعركة ستطول وتطول وربما ستمتد لثلاث سنوات كما كشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية. وهذه تقديرات إسرائيلية على الرغم من انسحابات الجيش الحالية وإعادة تموضع القوات خارج عمق القطاع. وأوضحت الصحيفة أن الجيش قدّر مسبقاً أن تفكيك “حماس” سيستغرق عدة أشهر، وأعد الجمهور لعام 2024 كعام القتال، لكنه ذكر أن المرحلة الثالثة من القتال ستكون أقل شدة، وستتضمن تسريح ألوية الاحتياط. وهكذا يقدر جيش الاحتلال أن “الهزيمة الكاملة لحماس ستستغرق ما لا يقل عن 3 إلى 4 سنوات أخرى، وهو ما سيسمح نظرياً للمستوى السياسي بمواصلة إعلان حالة الحرب حتى العام 2027”.

ومع أنه لم يبقَ في غزة في المرحلة الحالية سوى لواء واحد من جيش الاحتلال، لكن حكومة نتنياهو تتمسك بالحرب، بينما أكد أكثر من مسؤول عسكري وأمني إسرائيلي أنهم ينتظرون تغيير تعريف الواقع، والاعلان عن انهاء حالة الحرب حتى يقدموا استقالتهم. وبعد نصف عام على الحرب، لا تزال الحكومة الاسرائيلية تتمسك بتعريف الوضع الحالي بالحرب، على الرغم من انتهاء المناورة في قطاع غزة، وقد غادر معظم القوات غزة بالفعل منذ حوالي ثلاثة أشهر، والتحرك في رفح ودير البلح إذا حصل، فسيكون محدوداً ومركزاً.

شارك المقال