الرد الايراني من دولة لدولة بين تحقيق الأهداف وإجهاضها

زياد سامي عيتاني

الضربات غير المسبوقة التي انطلقت من إيران باتجاه إسرائيل، واستمرت ما يقرب من 5 ساعات، تعني لأول مرة دخول الصراع مرحلة دولة ضد دولة وتمثل تصعيداً خطيراً في المنطقة. فقد كشفت وسائل إعلام أميركية وإسرائيلية أن إيران أطلقت على إسرائيل ما يزيد على 330 مسيرة وصاروخاً، خلال “الرد” على هجوم القنصلية الايرانية في دمشق في وقت سابق. ونقلت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن إيران أطلقت، خلال هجومها: 185 طائرة من دون طيار (مسيّرة)، 36 صاروخ كروز و110 صواريخ أرض أرض، وأكدت وسائل إعلام إسرائيلية هذه الأرقام.

في الوقائع الميدانية، أعلن الجيش الاسرائيلي “إحباط” الهجوم الذي شنّته إيران، مؤكداً اعتراض 99 بالمئة (!) من الطائرات المسيّرة والصواريخ التي كانت تستهدف اسرائيل. وكشف أن “طهران شنّت هجوماً ضد إسرائيل وأطلقت أكثر من 300 تهديد من أنواع مختلفة، منها صواريخ باليستية وطائرات مسيّرة وصواريخ كروز”. على جانب آخر، أكد رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الايرانية، اللواء محمد باقري، أن “الهجوم بالطائرات المسيّرة والصواريخ الذي شنّته طهران على إسرائيل ليلاً، حقق كل أهدافه”.

بين الحديث عن “صفعة قوية” والتأكيد على “إفشال الهجوم”، تباينت الروايتان الايرانية والاسرائيلية حول النتائج العسكرية للضربة الليلية. ومن المنظور العسكري المجرد، ولتبيان ما إذا كانت الضربة قد حققت أهدافها أم لا، يجب تحديد الأهداف التي ضربت، وما إذا كان تم تدميرها من عدمه. فكيف يمكن تحليل الضربة الايرانية على إسرائيل؟

– على الصعيد الإيراني:

١) ردت إيران بصورة مباشرة داخل إسرائيل، من دون اللجوء الى الفصائل التابعة لها.

٢) بغض النظر عما قيل ويقال بأن الضربة منسقة مع الادارة الأميركية بواسطة وسطاء، فإن إيران تمكنت من تأكيد قدراتها على الرد، ما يعزز مصداقيتها، حينما أعلنت أن إستهداف قنصليتها في دمشق لن يمر من دون رد.

٣) تمكنت إيران من إستخدام بعض الأسلحة والصواريخ النوعية، ومدى إمكان وصولها إلى أهدافها.

٤) وصول بعض الصواريخ الايرانية الى أهدافها في إسرائيل وإطلاق صافرات الإنذار في 750 موقعاً في اتجاهات مختلفة، حيث شوهدت في السماء الاسرائيلية عشرات الطائرات المسيّرة، ما يعني أن رواية الجانب الاسرائيلي بالقضاء على 99 بالمئة من المقذوفات خارج إسرائيل غير صحيحة.

– على الصعيد الاسرائيلي:

١) إسرائيل أظهرت قدرة ملحوظة على الدفاع ضد الهجمات غير المسبوقة. ٢) الرواية الايرانية بوصول 50 بالمئة من المقذوفات إلى أهدافها غير صحيحة.

٣) حصر الأهداف على الأرض يدل على “عدم تحقيق الضربة الايرانية خسائر لأهداف ذات قيمة، أو الإضرار بعدد كبير من الأهداف”.

وإزاء “كيفية” رد ايران على إسرائيل، وما صدر عنهما من روايتين، يمكن القول بوجود مغالاة في التقديرات الاسرائيلية والايرانية لنتائج الضربة، وكأن الجانبين من خلال روايتيهما يخاطبان الداخل ويوجه كل منهما رسالة الى شعبه بأنه حقق أهدافه بينما الطرف الثاني فشل بامتياز. وبالمنظار العسكري يمكن الاستنتاج أن العمق الانذاري بين إيران وإسرائيل، وفّر وقتاً طويلاً لـ”تقدير الموقف”، واستعداد وسائل الصد والاعتراض للجهوزية، ومعرفة خطوط سير المسيرات والصواريخ لصدها قبل الوصول إلى داخل إسرائيل، على الرغم من خسارة إسرائيل مادياً تكلفة صد الضربة التي تصل إلى نصف مليار دولار.

لكن، يبقى السؤال: لماذا بدأت إيران الضربة باستخدام المسيرات والتي لا تتجاوز سرعتها 185 كيلومتراً في الساعة، ثم إطلاق الصواريخ، وبالتالي ظهور المسيرات في سماء إيران، ما مكن إسرائيل من معرفة أن الضربة قد بدأت فاستعدت مع حلفائها لـ”صد الهجوم”؟ وفقاً لخبراء عسكريين فان ما حصل يعتبر خطأ عسكرياً وليس تكتيكياً (!) لأن أحد مبادئ الحرب الرئيسية هو عامل “المفاجأة”، وهذا ما لم يتحقق في الهجوم الايراني ما جعل الضربة الجوية تفقد الكثير من فاعليتها! بالتأكيد ما ستحمله الأيام القادمة من معلومات ومعطيات، ستوضح الكثير من الحقائق والأسرار التي سبقت الرد الايراني داخل العمق الاسرائيلي ورافقته.

شارك المقال