بين نيسان وأيلول: وداعاً فلسطين!

عاصم عبد الرحمن

لم تكن مجزرة دير ياسين التي وقعت في 9 نيسان 1948 واستهلت بها العصابات الصهيونية احتلال فلسطين في عهد الانتداب الانكليزي لها المحطة الإجرامية الأولى التي فتكت بالشعب الفلسطيني، ولن تكون الإبادة الجماعية التي بلغت ذروتها إبان العدوان الصهيوني على قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول 2023 خاتمة الإرهاب الاسرائيلي المستمر والذي يبدو أنه لن يتوقف حتى جلاء آخر حفيد فلسطيني عن أرض أجداده على وقع صمت عالمي أكثر إيلاماً من الآلة العسكرية. فما هي الرغبة الدولية الحقيقية حيال القضية الفلسطينية؟

ماذا حدث في نيسان؟

في إحدى ليالي نيسان 2024 حالَ الفيتو الأميركي في مجلس الأمن الدولي خلال جلسة مخصصة لمناقشة الوضع الفلسطيني، دون فتح الباب أمام فلسطين كي تحظى بالعضوية الكاملة في الأمم المتحدة كدولة معترف بها.

وكانت الجزائر قدمت مشروعاً يوصي الجمعية العامة المؤلفة من 193 دولة بقبول دولة فلسطين عضواً في الأمم المتحدة، وقد حظيَ مشروع القرار بتأييد 12 عضواً بينما امتنعت كل من بريطانيا وسويسرا عن التصويت، فيما كانت الولايات المتحدة التي تمتلك حق الفيتو تُسقط حلم الشعب الفلسطيني الذي قدَّم على مذبح الأقصى ملايين الشهداء منذ العام 1909 ولا يزال، ومن خلفه معظم العرب والمسلمين.

وعلى الرغم من أن الفلسطينيين يحظون حالياً بصفة “دولة غير عضو” كـ”مراقب”، وهو اعتراف واقعي بوجود دولة فلسطينية كانت قد أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 2012، فإن 137 من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة اعترفت حتى اليوم بدولة فلسطين.

ماذا سيحدث في أيلول؟

ليلةٌ أخرى في أيلول المقبل ستشهد على فصل جديد من مسلسل تصفية القضية الفلسطينية، إذ تحدثت مصادر ديبلوماسية عن توجه أممي نحو إلغاء “الأونروا” وهي “وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين” التي أوقف معظم دول العالم تمويلها تمهيداً لإسقاطها واستبدالها بمنظمة بديلة عُمل على تجهيز أرضيتها إبان سماح سلطات الاحتلال الاسرائيلي بإدخال حفنة من المساعدات الغذائية والطبية إلى غزة منذ شهرين تقريباً عبر بعض هيئات المجتمع المدني والعشائر والوجهاء في القطاع بذريعة الحؤول دون وصول حركة “حماس” و”كتائب القسام” إلى تلك المساعدات.

ولم يكن اتهام بعض موظفي “الأونروا” بالانتماء إلى “حماس” و”القسام” مجرد تبرير لاستهداف منشآتها والعاملين فيها، إذ وفقاً لأحدث تقاريرها الصادر في منتصف نيسان الجاري، استشهد 178 موظفاً في وكالة “الأونروا” منذ اندلاع العدوان الصهيوني على قطاع غزة في 7 تشرين الأول 2023، كما تعرضت 163 منشأة تابعة لها لأضرار جسيمة حالت دون متابعة أعمالها الإغاثية، في حين بقيت 9 مراكز من 24 للرعاية الصحية تابعة للوكالة عاملة في القطاع، فقد كان الهدف جلياً إسقاط وكالة “الأونروا” وخنق كل متنفس إغاثي يُبقي على بقعة ضوء ولو خافتة في عالم الفلسطينيين المظلم.

القدس ماذا بعد؟

إسقاطٌ أميركي لحلم تاريخي بإنشاء دولة فلسطينية ولو على ما تبقى من مساحة صغيرة (ما يقارب الـ 6000 كلم2) يقضمها الاستيطان الصهيوني بصورة مستمرة، يقود تحقيقه إلى بناء الكثير من السلام والأمن في الشرق الأوسط الملتهب.

بعيداً من احتساب الدعم الأميركي العسكري والمادي للكيان الاسرائيلي منذ تأسيسه وحتى اليوم ما يتخطى الـ 260 مليار دولار، فإن السعي الحثيث للرئيس جو بايدن مؤخراً من أجل بناء رصيف على شاطئ غزة بذريعة تسهيل إيصال المساعدات إلى القطاع خير دليل على محاولة وضع اللمسات الأخيرة على تصفية القضية الفلسطينية، فالرصيف الموعود ما هو إلا عبَّارة لترحيل الفلسطينيين لحظة تحديد الساعة صفر لـ “سفر برلك” وذلك وفقاً لمراقب فلسطيني تحدث لـ “لبنان الكبير”.

أما في ما يتعلق بإلغاء وكالة “الأونروا” التي تأسست في 8 كانون الأول 1949 أي على أثر وقوع نكبة احتلال فلسطين وإعلان دولة الكيان الاسرائيلي في 15 أيار 1948 ووضع القضية الفلسطينية والصراع العربي – الاسرائيلي على رأس أولويات القضايا الدولية التي كان تعيين وسيطها الدولي فولك برنادوت أول المهمات الديبلوماسية التي عُنِيَتْ بها منظمة الأمم المتحدة التي أُنشئت في العام 1945. وعليه، فإن إسقاط وسيلة قامت لغاية ما يدلل على أنَّ المهمة تمت بنجاح أو تمَّ صرف النظر عنها والبحث جارٍ عن مشروع آخر وهو في هذه الحالة إنهاء القضية الفلسطينية بالإخضاع والترحيل والتوطين، وبالتالي إعلان دولة إسرائيل على كامل التراب الفلسطيني طبقاً لما سعت إليه الحركة الصهيونية في العام 1897 وسخرت العالم بمعظمه لخدمة هذا المشروع وتنفيذه.

يُحكى أنه إبان الحرب الأميركية على فيتنام بين عامَيْ 1955 و1975 وقف رجلٌ بمفرده يحمل شمعة أمام البيت الأبيض احتجاجاً على الحرب وتضامناً مع الشعب الفيتنامي، فاقترب منه صحافي وسأله: “هل تعتقد أن احتجاجك بمفردك سيغير شيئاً؟”، فأجابه الرجل: “ومن قال انني أحتجُّ لأُغيّر أي شيء؟ أنا أحتجُّ لكي لا أتغير، لكي أحافظ على احترامي لأفكاري وإنسانيتي”. تلك هي حال كل الفلسطينيين ومعهم معظم العرب والمسلمين وأحرار العالم سيبقون وستبقى فلسطين.

شارك المقال