رياض الصلح ومرشد الصمد

حسان الرفاعي
  • اعتذر الرئيس سعد الحريري عن تأليف حكومته بعد تسعة أشهر على تكليفه وثماني عشرة زيارة لقصر بعبدا. كان على الحريري مراعاة المبادرة الفرنسيّة الّتي رحّب بها غالبيّة اللّبنانيّين قبل أن يظهر لهم أنها متحرّكة المعالم، ضبابيّة وهي الّتي قامت تحت عنوان تأليف “حكومة مهمّة” إنقاذ لبنان من الوضع الاقتصادي المتردي فيه…
  • ناور رئيس الجمهوريّة وصهره تحت أعين حزب الله وبرضاه واختلق كلّ العراقيل الدّستوريّة مدّعيًا صلاحيّة مشاركته الرّئيس المكلّف، على قدم المساواة، في عمليّة التّأليف. حرّك العصبيّات، إدّعى دفاعه عن حقوق المسيحيّين وطالب بثلث معطّل وأكثر، أراد تثبيت عُرف يعطيه حق تسمية الوزراء المسيحيّين، استثار واستفزّ سعد الحريري تارة بنعته بالكذب وطورًا بإرسال درّاج يحمل استمارات التّأليف وشروطه وأطوارًا بتصاريح وبيانات رئاسيّة فوقيّة تصدر عن دوائر القصر… كلّ ذلك أمام مرأى ومسمع طبقة سياسيّة مسيحيّة ومارونيّة تحديدًا، حيّدت نفسها بشكلِ متواطئ ومحزن عن تجاوزات وانتهاكات رئيس الجمهوريّة للنّظام البرلمانيّ وللدّستور.
  • ألحّ الشارع السنّي كما اجتماع رؤساء الحكومات السّابقين على الحريري كي لا يعتذر مهما طال التّأليف…
  • تمادى رئيس الجمهوريّة وأرسل رسالة إلى مجلس النّواب يطلب عبرها شرح صلاحيّاته في عمليّة التّأليف عِلمًا أنّ المجلس النّيابي ليس المرجع الصالح لإعطاء تفسيرات للدّستور.

رغم ذلك بادر المجلس بأكثريّته إلى تأكيد تسميته ودعمه للحريري في تشكيل الحكومة.

  • أقدم سعد الحريري على الاعتذار لئلا يُلام بالتساوي مع رئيس الجمهوريّة في المعاندة بعدما سمع كلامًا بطريركيًا يلفته أنّ للتّأليف حدودًا…
  • قام المجلس النّيابي بتسمية نجيب ميقاتي عبر استشارات دستوريّة مُلزمة، ليس لرئيس الجمهوريّة يدٌ في نتيجتها.
  • أجرى الرّئيس ميقاتي استشارات نيابيّة للتّأليف كما ينصّ الدّستور، لا دور فيها لرئيس الجمهوريّة.

وعليه نسأل اجتماع رؤساء الحكومات السّابقين وعلى وجه الخصوص الرّئيس ميقاتي:

1- هل إنّ رئيس الجمهوريّة شريك في تحديد حجم الحكومة وعدد وزرائها؟ حتمًا لا!

2- هل له التّدخل في توزيع الحقائب وفي مبدأ المداورة؟ بالتّأكيد لا!

3- هل له المشاركة في اختيار الوزراء وتحديد أسمائهم؟ لا وألف لا!

فالمسؤول عن الحكومة هو رئيسها وهي لا تحيا دقيقة واحدة إلّا بثقة المجلس النّيابي – إنّه النظام البرلماني! فإلى ماذا ترمز زيارات ميقاتي المكوكيّة إلى بعبدا؟ لإحراج رئيس الجمهوريّة أمام اللّبنانيّين والمجتمع الدّولي أم للتشارك وإياه في التّأليف وتدوير الزوايا على حساب النّظام والدّستور وصلاحيّات رئيس الحكومة؟

نكرّر أمام اللّبنانيّين ما قاله رياض الصلح رئيس أوّل حكومة بعد الاستقلال في بيان حكومته الأولى سنة 1943: ” … هذا هو عنوان الحكومة الّتي كان لي شرف تأليفها ورئاستها …” (نعم، تأليفها)

هذا ما قامت عليه أوّل حكومة بعد الاستقلال في زمن كان كُثرٌ من السّياسيّن يعتقدون، وكثير من أساتذة الجامعات يتعمّدون تدريس طلابهم، أنّ النظام اللّبناني كان قبل الطائف رئاسيًّا أو شبه رئاسيّ أو ذا صبغة رئاسيّة…

ولكن إن سلّمنا جدلًا بهذا التّشويه فهو قطعًا لا يستقيم بعد الطائف.

لذلك، أرجو الرّئيس ميقاتي، وبكل احترام، أن لا يعيد إلى أذهاننا تجربة حكومته، سيئة الذكر، لسنة 2011 وتصريحه أنّه قَبِلَ مهمّة التّأليف من أجل المصلحة الوطنيّة… لأنّ لا مصلحة وطنيّة إن كانت مصلحة حِلف الممانعة والتعنّت العوني ونزوات المتطرفين العنصريين المتعصبين أبطال حِلف الأقليات.

إنّ التنازل لهذه الفئة المتسلطة يضرّ بالوطن ويدفع أهل السنّة إلى الانزلاق مرغمين نحو التّطرف والتّيارات الأصوليّة…!

أصبحتْ الأمور تحتاج وقفة حزمٍ وحسمٍ كما فعل ذات يومٍ النّائب الرّاحل مرشد الصمد! فحينما أراد زميله الشاب أمين الجميّل سنة 1975 اعتراض رئيس الحكومة آنذاك رشيد الصلح لأنّه همّ بمغادرة القاعة العامّة في مجلس النّواب قبل سماع كلام الجميّل انبرى كالبرق من بين مدرجات النّواب نائب الضنّية ونَهَرَ الجميّل بأعلى صوته قائلًا :”إيدك عنّو هيدا رئيس حكومة لبنان …”.

حبذا لو يوجد مرشد الصمد آخر يلقّن المستشار الرّئاسي الّذي صرّح أنّ الرّئيس ميقاتي معرّض أن يطير كما طار غيره قبله درسًا كي يكون عبرة للسفهاء الشتّامين!

إنّ التساهل بالصلاحيّات وبالشكليات وبالكرامات هو الطريق الأكيد للتنازل بالأساسيّات الوطنية فرئيس الجمهوريّة وحِلف الممانعة وحتّى الرّئيس الفرنسي لا يقرؤون في الدّستور اللّبناني وفي أصول النّظام البرلماني وفي كتاب لبنان الكبير لسنة 1920.

شارك المقال