لبنان بين كبير “أمراء” ماكيافيلي… وصغيرهم!

ياسين شبلي
ياسين شبلي

…عندما كتب المفكر والفيلسوف السياسي الايطالي نيكولو دي ماكيافيلي كتابه الشهير “الأمير”، لم يكن يحلم أو يتوقع ربما أن يتجسد هذا الأمير بكل “مفاسده” في مجموعة من “الأمراء” الذين سيجتمعون ويُبتلى بهم بلد صغير واحد إسمه لبنان.

طبعاً هؤلاء الأمراء ليسوا على درجة واحدة من الذكاء أو الكاريزما أو القوة، فمنهم الكبير ومنهم الصغير، ومنهم من هو قنوع يعرف حجمه ويقف عنده، ومنهم من هو طموح يسعى دائماً ليحتل الصدارة، ولو عبر التطاول على الكبار تارة والتواضع أمامهم تارة أخرى، أو التكبر على من حوله من الصغار ليبدو كبيراً أو التماهي معهم ليبدو قديساً، فينجح تارة ويخفق أخرى وذلك كله تنفيذاً للشعار الشهير “الغاية تبرر الوسيلة” بغض النظر عن طبيعة هذه الغاية وكذلك الوسيلة.

أحدث طبعة من هذه الممارسة في لبنان هي ما يقوم به رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، تجاه “كبير” الأمراء في لبنان، رئيس مجلس النواب ورئيس حركة “أمل” الأستاذ نبيه بري، في خطوة مفاجئة ومستغربة بـ”وقاحتها وفجورها” لا لشيء سوى أن جبران باسيل ولأسابيع مضت فقط، كان لا يزال يضع وزر فشل عهد الرئيس ميشال عون وكذلك فشل تفاهم “مار مخايل” وفتور العلاقة مع “حزب الله”، يضع كل ذلك على عاتق الرئيس نبيه بري بصفته “كبير الفاسدين” الذي منع الإصلاح والتغيير من بلوغ نهايته، و”ما خلَّا” العهد يتصرف كما يريد لبلوغ “لبنان القوي”، هذا عدا عن أنه في السابق من السنوات والكل يذكر لم يتردد في نعته بـ “البلطجي” ليرد الرئيس بري بظرفه المعروف بنعته بـ”البرغوث”، في حادثة كادت أن تؤدي إلى فتنة لا يُحمد عقباها، لنجد اليوم أن بري بات هو خشبة الخلاص والملجأ لباسيل، المعزول بدرجة كبيرة داخلياً وخارجياً، فما عدا ما بدا كما يقول المثل الشعبي؟

الواقع أن جبران “الأمير الصغير” يحاول دائماً التذاكي عبر اللعب على الحبال المشدودة ما بين الأمراء، فتارة هو في تفاهم مع “حزب الله” يحاول إستغلاله ضد بري، وأخرى هو في حوار مع بري عندما “يحرد” مع “حزب الله”، تارة هو مع سليمان فرنجية ضد جعجع و”الكتائب”، وطوراً يقيم تفاهماً مع معراب بنيَّة تقاسم المراكز المسيحية نكاية بـ “المردة” و”الكتائب” وبقية المستقلين، يصدر كتاب “الإبراء المستحيل” ضد “الحريرية السياسية” وفجأة يسير في تسوية مع سعد الحريري بنيَّة تقاسم البلد هذه المرة ليدخل كتاب الإبراء في باب الإفتراء، وعندما يفشل يذهب بإتجاه محاولة خلق شخصية سنية مطواعة كحسان دياب، وعندما تعاكسه الظروف يذهب صوب نجيب ميقاتي ليعود وينقلب عليه ويتهمه بأنه يستولي على صلاحيات الرئاسة.

هو ضد التشريع في غياب رئيس الجمهورية، وضد إجتماع مجلس الوزراء مكتملاً، لكنه متى إقتضت الحاجة يُكمل النصاب لتمرير التشريعات التي تلائمه، ثم يعود ليستغيث حرصاً على المسيحيين ومصالحهم.

اليوم يلعب لعبة جديدة – قديمة، ليبدو لبنان وكأنه عالق وينتظر الحوار ما بين “كبير الأمراء وصغيرهم”، لأنه هذه المرة يلعبها مع الـ “boss”الذي سمّاه آموس هوكشتاين، وهناك إحتمالان إما أنه فهم الرسالة ومغزى هذه التسمية، أو أنه يحاول مرة أخرى التذاكي لتمرير الوقت، لكنه قد يكون نسي أن “مش كل مرة بتسلم الجرة”، لأن اللعب مع الكبير هذه المرة قد لا يخرج منه سالماً لأن طرفي الحبل المشدود في يده، وويل له إذا “غضب” كبير الأمراء”.. وأرخى.

شارك المقال